قال رحمه الله : ( وإن ) يعني يحرم أكله { وقع سهم بصيد فتحامل وغاب وهو في طلبه حل وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا لأبي ثعلبة إذا رميت سهمك فغاب ثلاثة أيام ، وأدركته فكله ما لم ينتن } رواه لقوله عليه الصلاة والسلام مسلم ، وأحمد وأبو داود وورد { والنسائي } فيحمل هذا على ما إذا قعد عن طلبه والأول على ما إذا لم يقعد ولأنه يحتمل أن يموت بسبب آخر فيعتبر فيما يمكن التحرز عنه ; لأن الموهوم في المحرمات كالمتحقق وسقط اعتباره فيما لا يمكن التحرز عنه للضرورة ; لأن الاعتبار فيه يؤدي إلى سد باب الاصطياد وهذا لأن الاصطياد يكون في الصحراء بين الأشجار عادة ولا يمكنه أن يقتله في موضعه من غير انتقال وتوار عن عينه غالبا فيعذر ما لم يقعد عن طلبه للضرورة لعدم إمكان التحرز عنه ولا يعذر فيما إذا قعد عن طلبه ; لأن الاحتراز عن مثله ممكن فلا ضرورة إليه فيحرم وهو القياس في الكل إلا أنا تركناه للضرورة فيما لا يمكن التحرز عنه وبقي على الأصل فيما يمكن ، وجعل أنه عليه الصلاة والسلام كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال لعل هوام الأرض قتلته قاضي خان في فتاويه من شروط حل الصيد أن لا يتوارى عن بصره .
وقال : لأن الغالب إذا غاب الصيد عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول رضي الله تعالى عنهما كل ما أصميت ودع ما أنميت ، والإصماء ما رأيته والإنماء ما توارى عنك وهذا نص على أن الصيد يحرم بالتواري وإن لم يقعد عن طلبه وإليه أشار صاحب الهداية أيضا بقوله والذي رويناه حجة على ابن عباس رحمه الله تعالى في قوله إن ما توارى عنه إذا لم يبت ليلة لا يحل عندنا وإن لم يقعد عن طلبه فيكون مناقضا لقوله في أول المسألة وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل ; فبنى الأمر على الطلب وعدمه لا على التواري وعدمه وعلى هذا التركيب فقهاء أصحابنا رحمهم الله تعالى ولو حمل ما ذكره على ما إذا قعد عن طلبه كان يستقيم ولم يتناقض ولكنه خلاف الظاهر وما روينا من الحديث يبيح ما غاب عنه وبات ليالي فيكون حجة على من منع ذلك قال مالك الزيلعي في شرح الكنز وجعل قاضي خان في فتاويه فقال ; لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول من شروط حل الصيد أن لا يتوارى عن بصره رضي الله عنهما [ ص: 259 ] كل ما أصميت ودع ما أنميت ، والإصماء ما رأيته والإنماء ما توارى عنك وهذا نص على أن الصيد يحرم بالتواري وإن لم يقعد عن طلبه ا هـ . ابن عباس
أقول : ليس الأمر كما زعمه الزيلعي فإن الإمام قاضي خان لم يجعل في فتاواه من شرط حل الصيد عدم التواري عن بصره وعدم القعود عن طلبه حيث قال : والسابع - يعني الشرط السابع - أن لا يتوارى عن بصره ولا يقعد عن طلبه ، فيكون في طلبه ولا يشتغل بعمل آخر حتى يجده ; لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول رضي الله عنهما كل ما أصميت ودع ما أنميت ، والإصماء ما رأيت والإنماء ما توارى عنك ا هـ . ابن عباس
ولا شك أن قوله " والسابع أن لا يتوارى عن بصره ولا يقعد عن طلبه نص على أن الصيد لا يحرم بمجرد التواري عن بصره والقعود عن طلبه معا ، وأما قوله لأنه إذا غاب عن بصره وقعد عن طلبه بقرينة سياق كلامه وأما إذا لم يقعد عن طلبه فيعذر فيه للضرورة لعدم إمكان التحرز عن تواري الصيد عن بصر الرامي فكان في اعتبار عدم التواري مطلقا حرج عظيم وهو مدفوع بالنص وقد أشار إليه المصنف بقوله إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعرى الاصطياد عنه ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن قرار يكون بسبب عمله .
وذكر في الشرح والكافي { بالروحاء على حمار وحشي عقير فتبادر أصحابه إليه فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل فقال هذه رميتي ، وأنا في طلبها وقد جعلتها لك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه فقسمها بين الرفاق أبا بكر } وإن وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل { أنه صلى الله عليه وسلم مر لعدي إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه فإن غاب عنك يوما لم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل } رواه لقوله عليه الصلاة والسلام مسلم . والنسائي
وفي رواية { } رواه أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره وعلمت أن سهمك قتله فكله أحمد . والنسائي
وفي رواية { رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أرمي في الصيد فأجد فيه سهمي من الغد قال إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل عليا } رواه أن الترمذي وصححه ولأنه محتمل تحققت فيه الأمارة فيجوز بخلاف ما إذا كان بلا أمارة على ما بينا وحكم إرسال الكلب والبازي في جميع ما ذكرنا من الأحكام كالرمي .