( كتاب الولاء ) أورد كتاب الولاء عقب المكاتب ; لأن الولاء من آثار المكاتب لزوال ملك الرقبة عند أداء بدل الكتابة وهو وإن كان من آثار العتق إلا أن موجبات ترتيب الكتب السابقة ساقت المكاتب إلى هذا الموضع فوجب تأخير كتاب الولاء عن كتاب المكاتب لئلا يتقدم الأثر على المؤثر والكلام فيه من وجوه الأول في اشتقاقه والثاني في بيان دليله والثالث في سببه والرابع في معناه لغة والخامس في معناه عند الفقهاء والسادس في ركنه والسابع في شرطه والثامن في حكمه أما الأول فهو مشتق من الولاء وهو القرب وهو حصول الثاني عقيب الأول من غير فصل أو من الموالاة يقال ولي الشيء إذا حصل بعده من غير فصل وهو مفاعلة من الولاية بالفتح وهو النصرة والمحبة ودليله قوله صلى الله عليه وسلم { } وقوله عليه الصلاة والسلام { الولاء لمن أعتق } الولاء لحمة كلحمة النسب الإعتاق ; لأن المولى أنعم على عبده بالإعتاق . وسببه
قال الشارح والأصح أن سببه العتق على ملكه ; لأنه يضاف إليه والإضافة دليل الاختصاص ; ولأن من ورث قريبه عتق عليه وولاؤه له ولا إعتاق من جهته ، وأما معناه لغة فهو عبارة عن المعاونة والنصرة أو عبارة عن المواصلة والمصادقة وسمي الولي وليا لتناصره وتعاونه لحبيبه وصديقه ، وعند الفقهاء عبارة عن التناصر سواء كان بالإعتاق أو بعقد الموالاة ولهذا قال في المبسوط والمطلوب بكل منهما التناصر كذا في النهاية وأورد عليه بأن المذكور في المبسوط يدل على كون التناصر غيرهما لا أنفسهما إذ لا يخفى على الفطن أن المطلوب بالشيء لا يكون نفسه ، بل يكون أمرا مغايرا له قال في العناية وهو في عرف الفقهاء عبارة عن تناصر يوجب الإرث والعقل ا هـ .
وأما فقوله أعتقه أو ملك القريب أو عقدت الموالاة ويشترط كون المعتق أهلا للولاء وهو أن يكون أهلا للإرث وهو كونه حرا مسلما وأولاده يكونوا أهلا بالعصوبة لا بالقرابة ركنه أن يعقل الجناية حال حياة معتقه والإرث منه بعد مماته قال رحمه الله ( وحكمه ، ولو بتدبير وكتابة واستيلاد وملك قريب ) لما روينا وهو بعمومه يتناول الكل ; لأن الرقيق هالك حكما ألا ترى أنه لا يثبت في حقه كثير من الأحكام التي تختص بالأحياء نحو القضاء والشهادة والملك في [ ص: 74 ] الأموال وكثير من العبادات فكان الإعتاق إحياء له لثبوت أحكام الأحياء به كالإحياء بالإيلاد فيرث به كما يرث الأب ولده ولهذا سمي ولاء نعمة لقوله تعالى { الولاء لمن أعتق وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } بالهدى وأنعمت عليه بالإعتاق والمرأة في هذا كالرجل وقوله الولاء لمن أعتق صادق بما إذا أو لم يخل وليس كذلك ; لأنه إذا أعتق في دار الحرب وخلاه لم يكن له عليه ولاء حتى إذا خرجا إلينا مسلمين لا يرثه ولم يكن له عليه ولاء ، وعند أعتق في دار الإسلام أو في دار الحرب وخلى سبيله في دار الحرب يرثه ويكون عليه له الولاء فلو قال مسلما ، ولو رقيقا كافرا في دارنا لكان أحسن . أبي يوسف
ولو فولاؤه للمولى فيكون لعصبته الذكور وقوله لمن أعتق يعني ، ولو حكما فدخل أدى المكاتب بعد موت المولى فعتق فولاؤه لعصبة المولى ، وكذا مدبروه وأمهات أولاده بعد موته ويكون ولاؤهم له وفي شرح العبد الموصى بعتقه وبشرائه وأعتقه الوصي بعد موته إذا الطحاوي يكون عن الآمر والولاء له ، ولو أمر غيره بإعتاق عبد فأعتق في حال حياته أو بعد وفاته فالعتق يكون عن الآمر استحسانا والولاء له ، ولو قال لغيره أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتق عتق عن المأمور والولاء له في قولهما وفي قول قال أعتق عبدك عني ولم يذكر البدل فأعتق عن الآمر والولاء له ، ولو أبي يوسف فإنه يتوقف على قبول العبد فإن قبل في المجلس الذي علم به لزمه المال وإلا فلا والولاء يورث ا هـ . قال أعتق عبدك على ألف درهم ولم يقل عني فأعتق
وشمل قوله لمن أعتق الذمي ; لأن الذمي أهل للولاء كالمسلم وفي المحيط فلا يخلو إما أن أعتقه في دار الحرب أو في دار الإسلام فإن أعتقه في دار الحرب وكان العبد مسلما فولاؤه له ; لأنه لا يسترق وإن كان كافرا فلا ولاء له عليه ; لأن الولاء نتيجة العتق وإعتاق الحربي عبده المسلم يصح بالإجماع وعبده الكافر لا يصح عند الإمام حربي أعتق عبده إذا لم يخل سبيله وإن خلى سبيله صح العتق لكنه لم يتم العتق في حق زوال الرق وإن صح في حق إزالة الملك ; لأن كون الحربي في داره سبب لرقه فإذا ومحمد صح عتقه وكل معتق جرى عليه الرق بعد العتق انتقض به ولاؤه . حربي أعتق عبدا في دار الحرب ، ثم خرجا مسلمين للعبد أن يوالي من شاء ; لأن العتق لم يصح مسلم مستأمن في دار الحرب أو أسلم هناك أعتق عبدا اشتراه هناك ، ثم أسلم عبده لم يكن مولاه قياسا وله أن يوالي من شاء عندهما ، وقال أعتق الحربي عبده الكافر في دار الإسلام أجعله مولاه استحسانا أبو يوسف فولاء الأول للآخر وولاء الآخر للأول . حربي اشترى عبدا في دار الإسلام فأعتقه ، ثم رجع فاسترق فاشتراه العبد فأعتقه