( قوله : فلو حد بطلبه مفرقا ) أي بطلب المقذوف مفرقا على أعضاء القاذف لما تلوناه من الآية وبينا من الإجماع قيد بالمحصن ; لأن غيره لا يجب الحد بقذفه وفيه إشارة إلى اشتراط عجز القاذف عن إقامة البينة على الزنا ، فإنه إذا أقام بينة على صدق مقالته لم يبق المقذوف محصنا فأغنى ذكر الإحصان عن هذا الشرط وكذا لو صدقه المقذوف وفي الظهيرية قذف محصنا أو محصنة بزنا ، فإنه لا يحد وهل يحد المقذوف إن شهدوا بحد متقادم ، فإنه لا يحد كما لو شهدوا عليه بالزنا قبل القذف إن كان متقادما لم يحد ، وإن كان غير متقادم حد فكذلك هنا ا هـ . رجل قذف رجلا بالزنا فرفعه المقذوف إلى القاضي فقال القاذف : عندي شهود عدول على ما قلت وأقامهم على ذلك
وقيد بقوله بزنا ; لأنه لو قذفه بغيره لا يكون قذفا شرعا لما قدمناه فلا حد وأطلق في الزنا ولم يقيده بلفظ ليدخل فيه ما إذا بقوله وطئك فلان وطئا حراما أو جامعك حراما كما في الظهيرية ويخالفه ما في الخانية لو قال زنيت أو يا زاني أو أنت أزنى الناس أو أنت أزنى من فلان أو أنت أزنى مني لا حد عليه ولو قال : أنت أزنى مني لا يحد في قول قال لرجل : يا زانية بالتاء أبي حنيفة وقال وأبي يوسف : يكون قاذفا ولو محمد يجب الحد في قولهم ; لأنه ترخيم وهو حذف آخر الكلمة ولو قال لامرأة يا زاني لا حد عليه ولو قال لرجل زان فقيل هذا لأحدهما بعينه فقال نعم لا حد عليه . قال لأهل قرية ليس فيكم زان إلا واحدا أو قال : كلكم زان إلا واحدا أو قال لرجلين : أحدكما زان
ولو حد المبتدئ دون المصدق ولو قال له صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ولو أن قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت متصلا لا حد على المقذوف ولا على الجماعة ولو قطعوا الكلام ثم قالوا فيما دون الفرج كان عليهم حد القذف ولو جماعة قالوا رأينا فلانا يزني بفلانة ثم قالوا فيما دون الفرج لا حد على المبتدئ ولو قال من قال كذا وكذا فهو ابن الزانية فقال رجل أنا قلت لا حد عليه ولو قال لغيره أنت تزني لا حد عليه ولو قال لامرأة ما رأيت زانية خيرا منك كان قذفا ولو قال لامرأة زنى بك زوجك قبل أن يتزوجك لا حد عليه ولو قال لغيره زنى فخذك أو ظهرك أو يدك كان قاذفا ولو قال : زنى فرجك كان عليه الحد ولو قذف رجلا بغير لسان العربية لا حد عليه ولو قال لغيره أخبرت أنك زان أو قال أشهدت على ذلك يكون قاذفا لهما ولو قال : عنيت وفلان معك شاهد لا يصدق ولو قال لغيره زنيت وفلان معك لا حد على الثاني إلا أن يقول وأنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به عليه فحينئذ يكون قاذفا ولو قال أشهد أنك زان فقال رجل آخر وأنا أشهد أيضا فلا حد على الآمر وهل يحد المأمور إن كان المأمور قال له يا زاني يحد ، وإن قال لغيره اذهب إلى فلان وقل له يا زاني لم يحد ولو قال له : إن فلانا يقول لك يا زاني قال ذلك بكلام واحد فهذا ليس بقذف للثاني ولو قال لآخر يا ابن الزانية وهذا معك كان قاذفا لهما . قال لرجل يا زاني وهذا معك
ولو قال لآخر يا ابن الزانية وهذا ولم يقل معك فهو قاذف للثاني لا حد عليه ; لأنه نسبها إلى التمكين من البهائم ولو رجل قال لامرأة أجنبية زنيت ببعير أو بثور أو بحمار فعليه الحد ; لأن معنى كلامه زنيت بناقة بذلك لك أو بدرهم بذلك لك في الزنا ، فإن قيل بل معنى كلامه زنيت بدرهم استؤجرت عليه فينبغي أن لا يحد في قول قال زنيت بناقة أو ببقرة أو بثوب أو بدرهم وهذا ; لأن حرف الباء تصحب الأعواض ، والأبدال قيل له هذا محتمل وما ذكرناه محتمل فيتقابل المحتملان ويبقى [ ص: 34 ] ( قوله زنيت فكأنه لم يزد على هذا ولو أبي حنيفة لا حد عليه ; لأنه نسبه إلى إتيان البهيمة ، فإن قال بأمة أو دار أو ثوب فعليه الحد كذا في الخانية ، والظهيرية وبه تبين أن قال لرجل زنيت ببعير أو بناقة أو ما أشبه ذلك مثل ما تقدم من قوله هو كما قال فحينئذ يحتاج إلى ضبط هذه المسألة وفي الخانية حد القذف لا يجب مع التصريح بالزنا في بعض المسائل لقرينة ويجب في بعض المسائل مع عدم التصريح لا حد عليه . رجل قال لغيره يا لوطي
ولو نسبه إلى اللواطة صريحا لا حد عليه في قول وقال أبي حنيفة صاحباه يحد ا هـ .
واعلم أنه يشترط وجود الإحصان وقت الحد حتى لو على ما ذكرنا أو ارتد ، والعياذ بالله تعالى سقط الحد عن القاذف ولو أسلم بعد ذلك ; لأن إحصان المقذوف شرط فلا بد من وجوده عند إقامة الحد كذا في فتح القدير وقيد بطلبه ; لأنه حقه وينتفع به على الخصوص من حيث دفع العار عن نفسه ، وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح وأشار به إلى أن زنى المقذوف قبل أنه يقام الحد على القاذف أو وطئ وطئا حراما لا يوجب الحد ; لأن طلبه يكون بالإشارة ولعله لو كان ينطق لصدقه ولما كان الطلب ثم الحد لدفع العار استفيد منه أنه لا بد من تصور الزنا من المقذوف حتى لو قذف الأخرس لا يجب عليه الحد ; لأنهما لا يلحقهما العار بذلك لظهور كذبه بيقين ( قوله : قذف رتقاء أو مجبوبا ) إظهارا للتخفيف ; لأن سببه غير متيقن به لاحتمال صدق القاذف فلا يقام على الشدة . ولا ينزع عنه غير الفرو ، والحشو
وأما الفرو ، والحشو فيمنعان وصول الألم فينزعان بخلاف حد الزنا ، والشرب ، فإنه ينزع عنه ثيابه كلها إلا الإزار كما قدمناه ، والمراد بالحشو الثوب المحشو كالمضرب بالقطن ، ومقتضى كلامهم أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع وفي فتح القدير ، والظاهر أنه لو كان فوق قميص ينزع ; لأنه يصير مع القميص كالمحشو أو قريبا منه ويمنع من إيصال الألم الذي يصلح زاجرا .