[ ص: 85 ] كتاب الجزية
تطلق على كل من العقد والمال الملتزم به وعقبها للقتال ; لأنه مغيا بها في الآية التي هي كأخذه صلى الله عليه وسلم إياها من أهل نجران وغيرهم .
الأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } إذ هي مأخوذة من المجازاة ; لأنها جزاء عصمتهم منا وسكناهم في دارنا فهي إذلال لهم لتحملهم على الإسلام لا سيما إن خالطوا أهله وعرفوا محاسنه لا في مقابلة تقريرهم على كفرهم ; لأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله عن ذلك ، ومشروعيتها مغياة بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم فلا تقبل بعد ذلك ; لأنه لا يبقى لأحد منهم شبهة بحال فلم يقبل منهم إلا الإسلام وهذا من شرعنا ; لأنه إنما ينزل حاكما به متلقيا له عنه صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة والإجماع أو عن اجتهاد مستمد من هذه الثلاثة ، والظاهر أن المذاهب في زمنه لا يعمل منها إلا بما يوافق ما يراه ، إذ لا مجال للاجتهاد مع وجود النص واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئ .
ولها أركان عاقد ومعقود له وعليه ومكان وصيغة وبدأ بها اهتماما بها فقال ( ) مع الذكور أن يقول لهم الإمام أو نائبه ( أقركم ) أو أقررتكم كما في المحرر ، واستحسن على الأول لاحتماله الوعد غير أنه يكتفي به ، وإن لم يقصد به الحال مع الاستقبال ; لأن المضارع عند التجرد عن القرائن يكون للحال ، وبأنه يأتي للإنشاء كأشهد ، ولا ينافيه ما مر في الضمان أن أؤدي المال أو أحضر الشخص لا يكون ضمانا ولا كفالة ، وفي الإقرار أن أقر بكذا لغو ; لأنه وعد ; لأن شدة نظرهم في هذا الباب لحقن الدم اقتضى عدم النظر لاحتماله للوعد ( بدار الإسلام ) غير صورة عقدها الحجاز لكنه لا يشترط التنصيص على إخراجه حال العقد اكتفاء باستثنائه شرعا وإن جهله العاقدان فيما يظهر على أن هذا من أصله قد لا يشترط فقد نقرهم بها في دار الحرب ( أو أذنت في إقامتكم بها ) أو نحو ذلك ( على أن تبذلوا ) أي تعطوا ( جزية ) في كل حول ، نعم يتجه [ ص: 86 ] عدم اعتبار ذكر كونها أول الحول أو آخره ، فيحمل قول الجرجاني بذكر ذلك على الأكمل ( وتنقادوا لحكم الإسلام ) أي لكل حكم من أحكامه غير نحو العبادات مما لا يرونه كالزنا والسرقة لا كشرب المسكر ونكاح المجوس للمحارم ، ومن عدم تظاهرهم مما يعتقدون إباحته ، وفسر الصغار في الآية بالتزام ذلك ، وإنما وجب التعرض لهذا مع أنه من مقتضيات عقدها ; لأنه مع الجزية عوض عن تقريرهم فأشبه الثمن في البيع والأجرة في الإجارة ، ولا يشترط التعرض لنفي اجتماعهم على قتالنا كما أمنوا منا خلافا للماوردي وغيره لدخوله في الانقياد ، ولا يرد على المصنف صحة قول الكافر ، أقروني بكذا إلى آخره فيقول له الإمام أقررتك ; لأنه إنما أراد صورة عقدها الأصلي من الموجب ، أما النساء فيكفي فيهن الانقياد لحكم الإسلام لانتفاء الجزية عنهن ، وظاهر كلامهم صراحة هذه الأشياء ، وأنه لا كناية هنا لفظا ، ولو قيل إن كنايات الأمان لو ذكر معها على أن تبذلوا إلى آخره تكون كناية هنا لم يبعد ( والأصح اشتراط ذكر قدرها ) أي الجزية كالثمن والأجرة وسيأتي أقلها .
والثاني لا يشترط ذكره وينزل المطلق على الأقل ( لا كف اللسان ) منهم ( عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه ) بسوء فلا يشترط ذكره لدخوله في الانقياد