( فصل )
في بيان حكم جوازا ووجوبا ( له ) أي الزوج ( قذف زوجة ) له ( علم زناها ) بأن رآها وهي في نكاحه ، والأولى له تطليقها سترا عليها ما لم يترتب على فراقه لها مفسدة لها أو له أو لأجنبي ( أو ظنه ظنا مؤكدا ) لاحتياجه حينئذ للانتقام منها لتلطيخها فراشه والبينة قد لا تساعده ( كشياع زناها بزيد مع قرينة بأن ) بمعنى كأن ( رآهما في خلوة ) وكأن شاع زناها مطلقا ثم رأى رجلا خارجا من عندها قال قذف الزوج ونفي الولد الماوردي في وقت الريبة ، أو رآها خارجة من عند رجل : أي وثم ريبة أيضا ، وينبغي أن يكتفي فيها بأدنى ريبة بخلافه ، فإنه قد يدخل لنحو سرقة أو إرادة إكراه أو إلحاق عار وكان أخبره عدل رواية أو من اعتقد صدقه عن معاينة بزناها وليس عدوا لها ولا له ولا للزاني ، ولا بد فيما يظهر أن يبين كيفية الزنا إذا كان ممن يشتبه عليه الحال لأنه قد يظن ما ليس بزنا زنا ، وكأن أقرت له وغلب على ظنه صدقها ، أما مجرد الشيوع فلا يجوز اعتماده لأنه قد ينشأ عن خبر عدو أو طامع بسوء لم يظفر به ، وكذا مجرد القرينة لأنه ربما دخل عليها لنحو سرقة أو إكراه .
( ولو أتت ) أو حملت ( بولد علم أنه ليس منه ) أو ظنه ظنا مؤكدا [ ص: 112 ] وأمكن كونه منه ظاهرا لما يأتي ( لزمه نفيه ) وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو ممتنع كما يحرم نفي من هو منه لما يأتي ، ولعظيم التغليظ على فاعل ذلك وقبيح ما يترتب عليهما من المفاسد كانا من القبائح الكبائر ، بل أطلق عليهما الكفر في الأخبار الصحيحة وإن أول بالمستحل أو بأنهما سبب له أو بكفر النعمة ، ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن لنفيه وجوبا فيهما ، وإلا اقتصر على النفي باللعان لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق وشمل كلامه كغيره ما لو أتت بولد علم أنه ليس منه ولكنه خفية بحيث لا يلحق به في الحكم ، لكن الأوجه قول ابن عبد السلام : الأولى له الستر : أي وكلامهم إنما هو حيث ترتب على عدم النفي لحوقه به كما اقتضاه تعليلهم المذكور ( وإنما يعلم ) أنه ليس منه ( إذا لم يطأ ) ولا استدخلت ماءه المحترم أصلا ( أو ) وطئ أو استدخلت ماءه المحترم ولكن ( ولدته لدون ستة أشهر من الوطء ) ولو لأكثر منها من العقد ( أو فوق أربع سنين ) من الوطء للعلم حينئذ بأنه من ماء غيره ، ولو علم زناها لزمه قذفها ونفيه ، وصرح جمع بأن نحو رؤيته معها في خلوة في ذلك الطهر مع شيوع زناها به يلزمه ذلك أيضا .
ويؤيده ما يأتي عن الروضة ( فلو ولدته لما بينهما ) أي دون الستة وفوق الأربعة من الوطء ( ولم يستبرئها بحيضة ) بعد وطئه أو استبرأها بها وكان بين الولادة والاستبراء أقل من ستة أشهر ( حرم النفي ) للولد لأنه لاحق بفراشه ، ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه ، وفي خبر أبي داود وغيرهما { والنسائي } ( وإن ولدته فوق ستة أشهر من الاستبراء ) بحيضة أي من ابتداء الحيض كما ذكره جمع لأنه الدال على البراءة ( حل النفي في الأصح ) لأن الاستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه ، نعم يسن له عدمه لأن الحامل قد تحيض ومحله إن كان هناك تهمة زنا وإلا لم يجز قطعا ، وصحح في الروضة أنه إن رأى بعد الاستبراء قرينة بزناها مما مر لزمه نفيه بغلبة الظن بأنه ليس منه حينئذ وإلا لم يجز ، واعتمده أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رءوس الخلائق الإسنوي وغيره ، ويمكن حمل كلام الكتاب على ذلك .
وقوله من الاستبراء تبع فيه الرافعي ، وصحح في الروضة اعتبارها من حين الزنا بعد الاستبراء لأنه مستند اللعان ، فعليه إذا ولدت [ ص: 113 ] لدون ستة أشهر ولأكثر من دونها من الاستبراء تبينا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه فلا يجوز النفي رعاية للفراش .
ووجه البلقيني المتن بمنع تيقن ذلك لاحتمال سبق زناها بها خفية قبل الزنا الذي رآه ( ولو وطئ وعزل حرم ) النفي ( على الصحيح ) لأن الماء قد يسبقه ولا يشعر به ، ومقابل الصحيح احتمال للغزالي أنه يجوز لأنه إذا احتاط فيه كان كمن لم يطأ ولأنه يغلب على الظن بذلك أنه ليس منه ولو كان يطأ فيما دون الفرج بحيث لا يمكن وصول الماء إليه لم يلحقه أو في الدبر فالأرجح من تناقض لهما عدم اللحوق أيضا وليس من الظن علمه من نفسه أنه عقيم فيما يظهر وإن ذهب الروياني إلى لزوم نفيه باللعان بعد قذفها وذلك لأنا نجد كثيرين يكاد أن يجزم بعقمهم ثم يحبلون ( ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا ) على السواء بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ومن الزنا ولا استبراء ( حرم النفي ) لتقاوم الاحتمالين والولد للفراش ، وما نص عليه من الحل يحمل على ما إذا كان احتماله أغلب لوجود قرينة تؤكد ظن وقوعه ( وكذا ) يحرم ( القذف واللعان على الصحيح ) إذ لا ضرورة إليهما للحوق الولد به والفراق ممكن بالطلاق ولأنه يتضرر بإثبات زناها لانطلاق الألسنة فيه ، وقيل يحلان انتقاما منها وصوبه جمع ورد بما تقرر إذ كيف يحتمل ذلك الضرر لمجرد غرض انتقام ، وكالزنا فيما ذكر وطء الشبهة ، ولو امتنع نفيه بذلك ولو أشبه من تتهم أمه به أو انضم إلى ذلك قرينة الزنا لأن العرق نزاع كما ورد به الخبر . أتت امرأة بولد أبيض وأبواه أسودان أو عكسه