( ولو ) والأوجه أن مسه هنا كلمسه وإن افترقا في نقض الوضوء ولاضطراد العرف هنا باتحادهما ( أو قذفه تناوله حيا ) نائما أو مستيقظا ( وميتا ) فيحنث برؤية شيء من بدنه متصل به غير نحو شعره نظير ما يأتي لا مع إكراه عليها ولو في ماء صاف أو من وراء زجاج شفاف دون خياله في نحو مرآة ، نعم لو علق برؤيتها وجهها فرأته في المرآة حنث إذ [ ص: 52 ] لا يمكنها رؤيته إلا كذلك ، صرح به ( علق ) الطلاق ( برؤية زيد ) مثلا ( أو لمسه ) القاضي في فتاويه فيما لو علق برؤيتها وجهها وبلمس شيء من بدنه لا مع إكراه عليه من غير حائل لا نحو شعر وظفر وسن سواء الرائي والمرئي واللامس والملموس العاقل وغيره ، ولو لمسه المعلق عليه لم يؤثر وإنما استويا في نقض الوضوء لأن المدار هنا على لمس شيء من المحلوف عليه ويشترط مع رؤية شيء من بدنه صدق رؤية كله عرفا ، بخلاف ما لو أخرج يده من كوة مثلا فرأتها فلا حنث .
ولو قال لعمياء إن رأيت فهو تعليق بمستحيل حملا لرأى على المتبادر منها ، أو علق برؤية الهلال أو القمر حمل على العلم به ولو برؤية غيرها أو بتمام العدد فتطلق بذلك لأن العرف يحمل ذلك على العلم ، بخلاف رؤية زيد مثلا فقد يكون الغرض زجرها عن رؤيته ، وعلى اعتبار العلم يشترط الثبوت عند الحاكم أو تصديق الزوج كما قاله ابن الصباغ وغيره ، ولو أخبره به صبي أو عبد أو امرأة أو فاسق فصدقه فالظاهر كما قاله الأذرعي مؤاخذته ، ولو قال أردت بالرؤية المعاينة صدق بيمينه . نعم إن كان التعليق برؤية عمياء لم يصدق لأنه خلاف الظاهر لكن يدين ، وإذا قبلنا التفسير في الهلال بالمعاينة ومضي ثلاث ليال ولم ير فيها من أول شهر تستقبله انحلت يمينه لأنه لا يسمى بعدها هلالا ، أما التعليق برؤية القمر مع تفسيره بمعاينته فلا بد من مشاهدته بعد ثلاث لأنه قبلها لا يسمى قمرا ، كذا أفتى به رحمه الله تعالى ، ولو محمدا صلى الله عليه وسلم فأنت طالق فرأته في المنام وأراد ذلك طلقت ، فإن نازعها فيها صدقت بيمينها إذ لا يطلع عليه إلا منها ، وإن أراد رؤيته لا في منام أو أطلق اتجه عدم الوقوع حملا لها على الحقيقة ( بخلاف ضربه ) فإنه لا يتناول سوى الحي إذ الغرض منه الإيلام ومن ثم صححا هنا اشتراط كونه مؤلما ، لكن خالفاه في الأيمان وصوبه قال إن رأيت الإسنوي إذ المدار على ما من شأنه ذلك ، وسيأتي ثم أن منه ما لو حذفها بشيء فأصابها ، وجمع الوالد رحمه الله تعالى بينهما بحمل الأول على اشتراطه بالقوة ، والثاني على نفي ذلك بالفعل .
ولو اختص بالحية بخلاف أمه ، لأن القصد ثم الشهوة وهنا الكرامة ، أو علق بتقبيل زوجته سكرا يسمع معه ويتكلم ، وكذا إن كلمته وهي سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة ، فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها أو وهي مجنونة أو بهمس وهو خفض الصوت بالكلام بحيث لا يسمعه المخاطب أو نادته من مكان لا يسمع منه وإن فهمه بقرينة أو حملته إليه ريح وسمع لم تطلق إذ لا يسمى كلاما عادة نعم إن علق بتكليمها وهي مجنونة طلقت بذلك ، [ ص: 53 ] قاله علق بتكليمها زيدا فكلمته وهو مجنون أو سكران القاضي ، وإن كلمته بحيث يسمع لكن انتفى ذلك لذهول منه أو شغل أو لغط ولو كان لا يفيد معه الإصغاء طلقت لأنها كلمته وانتفاء السماع لعارض وإن كان أصما فكلمته فلم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصما لسمع لم تطلق كما جزم به ابن المقري وصرح به المصنف في تصحيحه ، وصحح الرافعي في الشرح الصغير الوقوع وجزم به في الروضة في كتاب الجمعة ونقله المتولي ثم عن النص ، والأوجه كما أفاده الشيخ حمل الأول على من لم يسمع ولو مع رفع الصوت ، والثاني على من يسمع مع رفعه ولو لم تطلق لأنه تعليق بمستحيل ، كما لو قال إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق فكلمت نحو حائط وهو يسمع لم تطلق أو إن كلمت رجلا فكلمت أباها أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت لوجود الصفة . قال إن كلمت ميتا أو حمارا أو إن كلمت زيدا فأنت طالق
فإن قال قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه لأنه الظاهر ، أو وانحلت اليمين فلا يقع بتكليم الآخر شيء ، أو إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما ، أو إن كلمت زيدا وعمرا لم تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا اشترط تكليم زيد قبل عمرو متراخيا عنه في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية واعلم أن الأصحاب إلا إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا الإمام والغزالي يميلون في التعليق إلى تقديم الوضع اللغوي على العرف الغالب ، إذ العرف لا يكاد ينضبط هذا إن اضطرب ، فإن اطرد عمل به لقوة دلالته حينئذ ، وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستفتى فيه .