[ ص: 271 ] ( باب ) ما يحرم من النكاح
بيان لما أي النكاح المحرم لذاته لا لعارض كالإحرام ، وحينئذ فهذه الترجمة مساوية لترجمة الروضة وأصلها بباب ، وهو قسمان : مؤبد ، وغيره . موانع النكاح
والأول أسبابه ثلاثة : قرابة : ورضاع : ومصاهرة .
وفي ضبط ذلك عبارتان : إحداهما يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول .
فالأصول : الأمهات ، والفصول : البنات ، وفصول أول الأصول : الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول : العمات والخالات ، وهذه للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني .
ثانيهما لتلميذ أبي منصور البغدادي ورجحها الرافعي ، وهي أنص على الإناث وأخصر ، وجاءت على نمط قوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك } الآية ، فدل على أن من عداهن من الأقارب ممنوع أنه يحرم جميع من شملته القرابة غير ولد العمومة وولد الخؤولة ، وعد بعضهم من الموانع اختلاف الجنس فلا يجوز للآدمي . نكاح جنية
قاله العماد بن يونس وأفتى به ابن عبد السلام ، وخالف في ذلك القمولي وهو الأوجه ( تحرم الأمهات ) أي نكاحهن وكذا جميع ما يأتي لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة ( وكل من ولدتك أو ولدت من ولدك ) وهي الجدة من الجهتين وإن علت ( فهي أمك ) حقيقة عند انتفاء الواسطة ومجازا عند وجودها على الأصح وسلم لكونهن أمهات المؤمنين في الاحترام فهي أمومة غير ما نحن فيه ( والبنات ) ولو احتمالا كالمنفية باللعان لأنها لم تنتف عنه قطعا ولهذا لو أكذب نفسه لحقته ، ومع النفي هل يثبت [ ص: 272 ] لها من أحكام النسب شيء سوى تحريم نكاحها حيث لم يدخل بأمها كقبول شهادته لها ووجوب القصاص عليه بقتلها والحد بقذفه لها والقطع بسرقة مالها أو لا ؟ وجهان : أوجههما كما أفاده وحرمة أزواجه صلى الله عليه وسلم الوالد رحمه الله تعالى ، ثانيهما كما اقتضى كلام الروضة تصحيحه ، وإن قيل إنما وقع ذلك في النسخ السقيمة .
قال البلقيني : وهل يأتي الوجهان في انتقاض الوضوء بلمسها وجواز النظر إليها والخلوة بها ، أو لا إذ لا يلزم من ثبوت الحرمة المحرمية كما في الملاعنة وأم الموطوءة بشبهة وبنتها ؟ والأقرب عندي عدم ثبوت المحرمية انتهى .
والأوجه حرمة النظر والخلوة بها احتياطا وعدم نقض الوضوء بلمسها للشك كما يؤخذ مما مر في أسباب الحدث ( وكل من ولدتها ، أو ولدت من ولدها ) وإن سفل ( فهي بنتك ) حقيقة ومجازا نظير ما مر ( قلت : والمخلوقة من ) ماء ( زناه تحل له ) لأنها أجنبية عنه ، إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب ، وإن أخبره صادق كعيسى صلى الله عليه وسلم وقت نزوله بأنها من مائه لأن الشرع قطع نسبها عنه فلا نظر لكونها من ماء سفاح ، نعم يكره له نكاحها خروجا من الخلاف ( ويحرم على المرأة ) وعلى سائر محارمها ( ولدها من زنا ، والله أعلم ) إجماعا لأنه بعضها وانفصل منها إنسانا ولا كذلك المني ومن ثم أجمعوا هنا على إرثه ( والأخوات ) من جهة أبويك أو أحدهما ، نعم لو زوجه الحاكم مجهولة النسب ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه ، كما نص عليه وجرى عليه العبادي والقاضي غير مرة قالوا : وليس لنا من يطأ أخته في الإسلام غير هذا ، ولو مات الزوج فينبغي أن ترث منه زوجته بالزوجية لا بالأختية لأن الزوجية لا تحجب ، بخلاف الأختية فهي أقوى السببين ، فإن صدق الزوج والزوجة انفسخ النكاح ، ثم إن كان قبل الدخول فلا شيء لها ، أو بعده فلها مهر المثل ، وقيس بهذه الصورة ما لو تزوجت بمجهول النسب فاستلحقه أبوها ثبت نسبه ولا ينفسخ النكاح إن لم يصدقه الزوج ، وإن [ ص: 273 ] أقام الأب بينة في الصورة الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح وحكم المهر ما مر ، وإن لم تكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق الزوج لكن لو أبانها لم يجز له بعد ذلك تجديد نكاحها لأن إذنها شرط وقد اعترفت بالتحريم .
وأما المهر فلازم للزوج لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره ، فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى ، أو بعده فكله ، وحكمها في قبضه كمن أقر لشخص بشيء وهو ينكره ومر حكمه في الإقرار ، ولو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للابن نكاحها ( وبنات الأخوة والأخوات ) وإن سفلن ( والعمات والخالات وكل من هي أخت ذكر ولدك ) وإن علا من جهة الأب ، أو الأم وسواء أخته لأبويه ، أو لأحدهما ( فعمتك ، أو أخت أنثى ولدك ) وإن علت من جهة الأب ، أو الأم سواء أختها لأبويها ، أو لأحدهما ( فخالتك ) وعلم مما مر أن الأخصر من هذا كله أن يقال يحرم كل قريب إلا ما دخل في ولد العمومة ، أو الخؤولة ( ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضا ) أي كما حرمن من النسب للنص على الأمهات والأخوات في الآية وللخبر المتفق عليه { } وفي رواية { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } ( وكل من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك ، أو ) أرضعت ( من ولدك ) ولو بواسطة ( أو ولدت مرضعتك ، أو ) ولدت ، أو أرضعت ( ذا ) أي صاحب ( لبنها ) شرعا كحليل المرضعة الذي اللبن له وإن ولدته بواسطة ( فأم رضاع ) شرعا . ما يحرم من الولادة
( وقس ) بذلك ( الباقي ) من ، فالمرتضعة بلبنك ، أو بلبن فرعك ولو من الرضاع وبنتها كذلك وإن سفلت بنت رضاع ، والمرتضعة بلبن أصلك ولو من الرضاع وإن سفلت ، ومرتضعة بلبن أخيك ، أو ابن أخيك وبنتها نسبا ، أو رضاعا وإن سفلت بنت أخ ، أو أخت رضاع وأخت فحل ، أو مرضعة وأخت أصلها نسبا ، أو رضاعا ، ومرتضعة بلبن أصل نسبا ، أو رضاعا عمة رضاع ، أو خالته ( ولا تحرم عليك من أرضعت أخاك ) ، أو أختك ، وإنما حرمت أم أخيك نسبا لأنها أمك ، أو موطوءة أبيك ( و ) لا من أرضعت ( نافلتك ) أي ولد ولدك لأنها كالتي قبلها أجنبية عنك وحرمت [ ص: 274 ] أمه نسبا لأنها بنت أو موطوءة ابن ( ولا أم مرضعة ولدك ) كذلك وهي نسبا أم موطوءتك ( وبنتها ) أي المرضعة كذلك وهي نسبا بنت أو ربيبة ، فعلم أن هذه الأربعة لا تستثنى من قاعدة السبع المحرمة بالرضاع لما علمت أن سبب انتفاء التحريم عنهن رضاعا انتفاء جهة المحرمية نسبا فلذا لم يستثنها كالمحققين فاستثناؤها في كلام غيرهم صوري ، وزيد عليها أم العم وأم العمة ، وأم الخال وأم الخالة وأم الأخ وأم الأخت فهؤلاء يحرمن نسبا لا رضاعا كما تقرر . يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وصورة الأخيرة امرأة لها ابن ارتضع من أجنبية ذات ابن فهذا له نكاح أم أخيه المذكورة .
( ولا ) يحرم عليك ( أخت أخيك ) الذي من النسب أو الرضاع ( بنسب ولا رضاع ) متعلق بأخت بدليل قوله ( وهي ) نسبا ( أخت أخيك لأبيك لأمه ) بأن كان لأم أخيك لأبيك بنت من غير أبيك ( وعكسه ) أي أخت أخيك لأمك لأبيه : أي بأن كان لأبي أخيك لأمك بنت من غير أمك ورضاعا أخت أخيك لأب ، أو أم رضاعا بأن أرضعتهما أجنبية عنك لقوله تعالى { ( وتحرم ) عليك بالمصاهرة ( زوجة من ولدت ) وإن سفل من نسب ، أو رضاع ( أو ولدك ) وإن علا ( من نسب ، أو رضاع ) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ومنطوق خبر يحرم من الرضاع السابق يعين حمل من أصلابكم على أنه لإخراج المتبني دون ابن الرضاع ، ولقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }
وإن علون وإن لم يدخل بها لإطلاق قوله تعالى { ( و ) يحرم عليك ( أمهات زوجتك منهما ) أي النسب والرضاع وأمهات نسائكم } وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة بها لترتيب أمر الزوجية فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك ولا كذلك البنت ، نعم يشترط حيث لا وطء صحة العقد لانتفاء حرمة الفاسد ما لم ينشأ عنه وطء ، أو استدخال لأنه حينئذ وطء شبهة وهو محرم كما يأتي .
( وكذا بناتها ) أي زوجتك ولو بواسطة سواء بنات ابنها وبنات بنتها وإن سفلت ( إن دخلن بها ) بأن وطئها في حياتها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا وكذا إن استدخلت ماءك المحترم حالة إنزاله على الراجح كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإن لم يكن محترما حال الاستدخال خلافا للماوردي ومن تبعه ، إذ هو كالوطء في أكثر أحكامه في هذا الباب [ ص: 275 ] وغيره لقوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } الآية ، ولم يعد دخلتم لأمهات نسائكم أيضا وإن اقتضته قاعدة رحمه الله تعالى من رجوع الوصف ونحوه لسائر ما تقدمه لأن محله إن اتحد العامل وهو هنا مختلف ، إذ عامل نسائكم الأولى الإضافة ، والثانية حرف الجر ، ولا نظر مع ذلك لاتحاد عملهما خلافا الشافعي للزركشي لأن اختلاف العامل يدل على استقلال كل بحكم ، ومجرد الاتفاق في العمل لا يدل على ذلك كما لا يخفى وذكر الحجور جرى على الغالب فلا مفهوم له ، وعلم من كلام المصنف عدم تحريم بنت زوج الأم ، أو البنت ، أو أمه وعدم تحريم أم زوجة الأب ، أو الابن ، أو بنتها ، أو زوجة الربيب أو الراب لخروجهن عن المذكورات .