فصل في القرض وهو بفتح القاف أشهر من كسرها يطلق اسما بمعنى المقرض ومصدرا بمعنى الإقراض ، ولشبهه بالسلم في الضابط الآتي جعله ملحقا به فترجم له بفصل بل هو نوع منه إذ كل منهما يسمى سلفا ( الإقراض ) الذي هو تمليك الشيء برد بدله [ ص: 220 ] ( مندوب ) إليه ولشهرة هذا حذفه ، وقد استغنى الشارح عن ذلك بقوله : أي مستحب وهو من السنن المتأكدة للآيات الكثيرة والأخبار الشهيرة كخبر مسلم { } وصح خبر { من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به } وفي خبر في سنده من ضعفه الأكثرون { } وأن أنه صلى الله عليه وسلم رأى ليلة أسري به مكتوبا على باب الجنة : إن درهم الصدقة بعشر والقرض بثمانية عشر جبريل علل له ذلك بأن القرض إنما يقع في يد محتاج بخلاف الصدقة ، وروى خبر { البيهقي } ويمكن رد الخبر الثاني للأول بحمله على درجات صغيرة بحيث إن الثمانية عشر فيه تقابل بخمسة في الصدقة كما في خبر صلاة الجماعة ، أو بحمل الزيادة في القرض إن صحت على أنه صلى الله عليه وسلم أعلمها بعد ، أو يقال القرض فضل الصدقة باعتبار الابتداء لامتيازه عنها بصونه ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل أحد بخلافها ، وهي فضلته باعتبار الغاية لامتيازها عنه بأنه لا مقابل فيها ولا بدل بخلافه ، وعند تقابل الخصوصيتين قد تترجح الأولى وقد تترجح الثانية باعتبار الأثر المرتب قرض الشيء خير من صدقته
ووجه ذكر الثمانية عشر في الخبر أن درهم القرض فيه تنفيس كربة وإنظار [ ص: 221 ] إلى قضاء حاجته ورده ففيه عبادتان فكان بمنزلة درهمين وهما بعشرين حسنة ، فالتضعيف ثمانية عشر وهو الباقي فقط لأن المقرض يسترد ، ومن ثم لو أبرأ منه كان له عشرون ثواب الأصل والمضاعفة ، ومحل ندبه ما لم يكن المقترض مضطرا وإلا كان واجبا ، وما لم يعلم أو يظن من آخذه أنه ينفقه في معصية وإلا حرم عليهما أو في مكروه كره ، ويحرم على إن لم يرج وفاءه من سبب ظاهر ما لم يعلم المقرض بحاله ، ويحرم على من غير مضطر الاقتراض كما يأتي نظيره في صدقة التطوع ، ويؤخذ منه أن المقرض لو علم حقيقة أمره لم يقرضه ، ومن ثم لو علم المقترض أن ما يقرضه لنحو صلاحه أو علمه وهو في الباطن بخلاف ذلك حرم عليه الاقتراض أيضا كما هو ظاهر ، ولو أخفى غناه وأظهر فاقته حالته حرم أيضا لما فيه من التدليس والتغرير عكس الصدقة أخفى الفاقة وأظهر الغني أشياء منها ( أقرضتك أو أسلفتك ) كذا أو هذا ( أو خذه بمثله ) ولو متقوما إذ ذكر المثل فيه نص في مقصود القرض لأن وضعه على رد المثل صورة ، وبه فارق جعلهم خذه بكذا كناية في البيع ، وبه اندفع ما ( وصيغته ) الصريحة للغزي وغيره هنا ، واتضح أنه صريح كما هو ظاهر كلامهما لا كناية خلافا لجمع ، وأيضا فمما يدفع به ذلك أن ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره . [ ص: 222 ] أما خذه بكذا فكناية هنا أيضا كما قاله السبكي وغيره ( أو ملكتكه على أن ترد بدله ) أو خذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله وقوله : خذه فقط كناية وقد سبقه : أقرضني وإلا فهو كناية هبة أو اقتصر على ملكتكه فهبة ولو اختلفا في ذكر البدل صدق الآخذ بيمينه وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا للناس على هذه المكرمة التي بها إحياء النفوس إذ لو أحوجناه للإشهاد لفاتت النفس ، أو في أن المأخوذ قرض أو غيره فسيأتي تفصيله آخر القراض .