وقد ألغز ابن الوردي بذلك فقال :
عندي سؤال حسن مستظرف فرع على أصلين قد تفرعا قابض شيء برضا مالكه
ويضمن القيمة والمثل معا
قال الإمام : ولم يوجبوا عليه السعي في ملك نصيب شريكه ليطلقه لكن ترددوا في أنه لو تلف هل يضمن نصيبه ا هـ .
تردد الزركشي فيما لو والأوجه أخذا مما مر أنه يلزمه كفارة محظورات إحرامه أنه يلزمه إرساله [ ص: 346 ] ويغرم قيمته ; لأنه المورط له في ذلك ومن كان يملك الصبي صيدا هل يلزم الولي إرساله ويغرم قيمته كما يغرم قيمة النفقة الزائدة بالسفر ؟ ورثه كما يملكه بالرد بالعيب ، ولا يزول ملكه عنه إلا بإرساله كما في المجموع ، ويجب إرساله كما لو أحرم وهو في ملكه ، ولو باعه صح وضمن الجزاء ما لم يرسل حتى لو مات في يد المشترى لزم البائع الجزاء ، وفرق مات عن صيد وله قريب محرم ابن المقري بين ما كان في ملكه قبل الإحرام حيث توقف على الإرسال بأنه دخل في ملكه قهرا بالإرث فلا يزول قهرا ، ودخوله في الإحرام رضا بزوال ملكه .
وما اعترض به الجوجري من كون المملوك قبل الإحرام بالإرث يزول ملكه عنه بالإحرام قهرا مع أنه دخل في ملكه قهرا ، فكونه في الإحرام لا تأثير له ، ومن أن دخوله في الإحرام رضا بزوال ملكه عما في ملكه وعما سيملكه وهو محرم يرد بمنع ما ذكره إذ الابتداء أقوى من الدوام ، فكان ابتداء طرو الإحرام على المملوك ولو بالإرث مزيلا لملكه ; لأنه أقوى منه ، بخلاف ما تجدد حال الإحرام بنحو الإرث فإن الإحرام ضعف عن منع دخوله في الملك فليضعف عن إزالة الملك بعد وجوده بالأولى .
وقوله دخوله في الإحرام إلخ ممنوع أيضا إذ ما سيملكه غير محقق ولا مظنون غالبا فلا أثر لهذا الرضا إن سلم وجوده ، وكما منع الإحرام دوام الملك يمنع ابتداءه اختيارا كشراء وهبة وقبول وصية وحينئذ فيضمنه بقبض نحو شراء أو عارية أو وديعة لا نحو هبة ، ثم إن أرسله ضمن قيمته للمالك وسقط الجزاء بخلافه في الهبة لا ضمان ; لأن العقد الفاسد كالصحيح في الضمان ، والهبة غير مضمونة ، وإن رده لمالكه سقطت القيمة وضمنه بالجزاء حتى يرسله فيسقط ضمان الجزاء ، ولو باعه ثم أحرم ثم أفلس المشتري لم يكن له الرجوع فيه لكن يبقى حقه حتى يتحلل فحينئذ يرجع فيه كما نقله الزركشي عن الماوردي فيكون تعذر الرجوع في الحال عذرا في التأخير ، وعليه لو وجد المحرم بثمن الصيد الذي باعه قبل عيبا كان له الرد بعد تحلله ، وشرط الضمان فيما مر بمباشرة أو غيرها على خلاف القاعدة في خطاب الوضع كون الصائد مميزا ليخرج المجنون والمغمى عليه والنائم والطفل الذي لا يميز ، ومن انقلب على فرخ وضعه الصيد في فراشه جاهلا به وأتلفه .
والسبب في خروج ذلك عن القاعدة المذكورة أنه حق الله تعالى ففرق بين من هو من أهل التمييز وغيره ، ومعنى كونه حقا لله تعالى : أي أصالة وفي بعض حالاته ، إذ منها الصيام فلا نظر لكون الفدية تصرف للفقراء ، ثم [ ص: 347 ] ضمان السيد هنا : إما بمباشرة أو سبب أو وضع يد ، فالأول كالقتل ونحوه ، والثاني هو ما أثر في التلف ولم يحصله فيضمن ما تلف من الصيد بنحو صياحه أو وقوع حيوان أصابه سهم عليه أو وقوعه بشبكة نصبها في الحرم أو وهو محرم وإن نصبها بملكه أو وقع الصيد بها بعد موته أو بعد التحلل كما أفتى به البغوي ، قال لتعديه حال نصبها ، وأخذ منه الأذرعي أنه لو نصبها بغير الحرم وهو حلال لم يضمن ما تلف بها وإن أحرم ; ولو ضمن كحلال فعل ذلك في أرسل محرم كلبا معلما على صيد أو حل رباطه والسيد حاضر ثم أو غائب ثم ظهر فقتله الحرم ، وكذا يضمن لو انحل رباطه بتقصيره في الربط فقتل صيدا حاضرا أو غائبا ثم ظهر ، وفارق ما ذكر عدم الضمان بإرسال الكلب لقتل آدمي بأن الكلب معلم للاصطياد فاصطياده بإرساله كاصطياده بنفسه وليس معلما لقتل الآدمي فلم يكن القتل منسوبا إلى المرسل بل إلى اختيار الكلب ، ولهذا لو أرسل كلبا غير معلم على صيد فقتله لم يضمنه كما جزم به الماوردي والجرجاني وعزاه إلى نصه في الإملاء ، وحكاه في المجموع عن والقاضي أبو الطيب الماوردي فقط ، ثم قال : وفيه نظر وينبغي أن يضمنه ; لأنه سبب ا هـ .
قال في الخادم : قضية إطلاق غيرهم التسوية بين المعلم وغيره ، وظاهر أن محل كلام هؤلاء إذا لم يكن الكلب ضاربا ، وقضية الفرق السابق : أنه لو كان الكلب معلما لقتل الآدمي فأرسل عليه فقتله ضمن كالضاري ، وهو ظاهر ، ولو لم يضمنه ; لأن حكم الاسترسال لا ينقطع بالإغراء استرسل كلب فزاد عدوه بإغراء محرم الحرم وهو متعد بالحفر كأن حفر في ملك غيره من غير إذنه ، أو وهو حلال في ويضمن ما تلف منه بحفر بئر حفرها وهو محرم بالحل أو الحرم وإن لم يكن متعديا به كأن حفرها بملكه ، أو موات ; لأن حرمة الحرم لا تختلف فصار كنصب شبكة فيه في ملكه ، بخلاف حرمة المحرم فلا يضمن ما تلف من ذلك بما حفره خارج الحرم بغير عدوان كما لو تلف به بهيمة أو آدمي ، ولو دل المحرم آخر على صيد ليس في يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان ، أو بيده والقاتل حلال ضمن المحرم ; لأن حفظه واجب عليه ولا يرجع على القاتل ، ولو رماه قبل إحرامه فأصابه بعده أو عكس ضمن تغليبا الإحرام فيهما وإنما أهدر مسلم رماه فارتد لتقصيره ، ولو رمى صيدا فنفذ منه إلى صيد آخر ضمنهما والثالث التعدي [ ص: 348 ] بوضع اليد عليه فيضمن المحرم صيدا وضع يده عليه بتلف حصل له وهو في يده ولو بنحو وديعة كالغاصب أو بما في يده كأن تلف بنحو رفس مركوبه كما لو هلك به آدمي أو بهيمة ، ولو كان مع الراكب سائق وقائد فالأوجه اختصاص الضمان بالأول ; لأن اليد له ، ولا يضمن ما تلف بإتلاف بعيره وإن فرط أخذا مما في المجموع عن الماوردي وأقره ، أنه لو حمل ما يصاد به فانفلت بنفسه وقتل لم يضمن ، وإن فرط وفارق انحلال رباط الكلب بتقصيره بأن الغرض من الربط غالبا دفع الأذى فإذا انحل بتقصيره فوت الغرض بخلاف حمله ، ولو رماه بسهم فأخطأه أو أرسل عليه كلبا فلم يقتله أثم ولا جزاء ، ولو كان المتلف لما في يد المحرم محرما ضمن وكان ذو اليد طريقا على الأصح ، بخلاف ما لو كان حلالا فإن الضامن وهو ذو اليد ولا رجوع له على المتلف بشيء ; لأنه ليس من أهل ضمان الصيد ولو أكره محرم على قتله ضمنه ورجع بما غرمه على مكرهه وإنما يضمن ما تلف في يده إن كان أخذه لغير مصلحة الصيد لا إن أخذه لمصلحته كمداواته أو تخليصه من نحو سبع أو هرة اختطفته فمات في يده ، قال الرافعي : لأنه قصد المصلحة فجعلت يده يد وديعة كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليرده إلى مالكه فتلف في يده وكان الغاصب حربيا أو رقيقا للمالك ، ولا ينافى هذا قولهما أن الوديع يضمن كما مر ، إذ معنى هذا أن قصده مصلحة الصيد أخرج اليد عن وضعها الأصلي في هذا الباب وألحقها بيد الوديع المبحوث عنها في باب الوديعة ، فليس معنى قول الرافعي فجعلت يده يد وديعة أن يده صارت كاليد المستودعة صيدا بل كالمستودعة غيره في عدم الضمان للمعنى المذكور ، ولا يضمن أيضا بإتلافه لما صال عليه أو على غيره لأجل دفع له عن نفس محترمة أو عضو كذلك أو مال بل أو اختصاص فيما يظهر ; لأن الصيال ألحقه بالمؤذيات ، ولو قتله للدفع راكبه الصائل عليه ضمنه ، وإن كان لا يمكن دفع راكبه إلا بقتله ; لأن الأذى ليس منه كما في إيجاب الفدية بحلق شعر رأسه لإيذاء القمل .
نعم يرجع بما غرمه على الراكب ولا ضمان ولا إثم بقتل جراد عم طريقه ، ولم يطأ إلا ما لا بد له من وطئه ; لأنه ملجأ إلى ذلك فأشبه دفعه لصياله ، وكالجراد ما لو باض بفراشه ولم يمكنه دفعه إلا بالتعرض لبيضه فإذا نحاه وفسد لم يضمنه [ ص: 349 ] ومنه يؤخذ تنفيره إذا أضر بأكله متاعه مثلا أو ببوله ، ويضمن حلال فرخا حبس أمه حتى تلف والفرخ في الحرم دون أمه ; لأن حبسها جناية عليه ، ولا يضمنها ; لأنه أخذها من الحل أو هي في الحرم دونه ضمنهما ، أما هو فكما لو رماه من الحرم إلى الحل ، وأما هي فلكونها في الحرم والفرخ ، مثال إذ كل صيد وولده كذلك إذا كان يتلف لانقطاع متعهده وخرج بالحلال المحرم فيضمن مطلقا ، ولو نفر محرم صيدا ولو في الحل أو نفره حلال في الحرم فهلك بسبب التنفير بنحو صدمة أو أخذ سبع أو قتل حلال له في الحل ضمنه ويستمر في ضمانه حتى يسكن ، ولو تلف به في نفاره صيد آخر ضمنه أيضا ، ويضمن حلال أيضا بإرساله وهو في الحل إلى صيد في الحل أيضا سهما مر في الحرم فأصابه وقتله أو بإرساله وهما في الحل أيضا كلبا معلما تعين الحرم عند الإرسال لطريقه وإن لم تكن هي الطريق المألوفة ; لأنه ألجأه إلى الدخول ، بخلاف ما إذا لم يتعين ; لأن له اختيارا ولا كذلك السهم .
ولو دخل صيد رمي إليه أو إلى غيره وهو في الحل الحرم فقتله السهم فيه ضمنه ، وكذا لو أصاب صيدا فيه كان موجودا فيه قبل رميه إلى صيد في الحل ، ولا يضمن مرسل الكلب بذلك إلا إن عدم الصيد ملجأ غير الحرم عند هربه . ونقل أنه لو الأذرعي الحرم فمات فيه لم يضمنه ، ولم يحل أكله احتياطا لحصول قتله في أرسل كلبا أو سهما من الحل إلى صيد فيه فوصل إليه في الحل وتحامل الصيد بنفسه أو نقل الكلب له في الحرم ، ولو رمى في الحل صيدا كله أو قوائمه في الحرم واعتمد عليها أو عكسه ضمنه تغليبا للحرمة ، وإنما لم يضمن من سعى من الحرم إلى الحل أو من الحل إلى الحل ، لكن سلك في أثناء سعيه الحرم فقتل الصيد من الحل ; لأن ابتداء الصيد من حين الرمي أو نحوه لا من حين السعي ، فإن أخرج يده منه ونصب شبكة لم يضمن ما ينعقل بها ، وقياسه أنه لو أخرج يده من الحرم ورمى إلى صيد فقتله لم يضمنه ، ولا أثر لكون غير قوائمه في الحرم كرأسه إن أصاب ما في الحل وإلا ضمنه كما ذكره الأذرعي والزركشي ، هذا في القائم فغيره العبرة بمستقره ، ولو كان نصفه في الحل ونصفه في الحرم حرم [ ص: 350 ] كما جزم به بعضهم تغليبا للحرمة .