قد ذكرنا كل ما فيه في كتابنا الأول " المعاني " . ( فاكتبوه وليكتب ) أثبت اللام في الثاني ، وحذفها من الأول ؛ لأن الثاني غائب ، والأول للمخاطبين . فإن شئت حذفت اللام في المخاطب لكثرة استعمالهم ذلك ، وهو أجود . وإن شئت أثبتها على الأصل . فأما الغائب فزعم أنه لا بد من اللام في الفعل إذا أمرته . وأجاز محمد بن يزيد ، والكوفيون حذفها ، وأنشدوا : سيبويه
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من قوم تبالا
وليملل الذي عليه الحق هذه لغة أهل الحجاز وبني أسد ، وتميم يقولون : " أمليت " . وجاء القرآن باللغتين جميعا ؛ قال - جل وعز - : " فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " ، والأصل : " أمللت " أبدل من اللام ياء لأنه أخف . فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان رفع بالابتداء ، وامرأتان عطف عليه ، والخبر محذوف أي فرجل وامرأتان يقومون مقامهما . وإن شئت أضمرت المبتدأ أي فالذي يستشهد رجل [ ص: 345 ] وامرأتان . ويجوز النصب في غير القرآن ، أي فاستشهدوا . وحكى : " إن خنجرا فخنجرا " أي فاتخذ خنجرا . سيبويه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى هذه قراءة ، الحسن وأبي عمرو بن العلاء ، وعيسى ، ، وابن كثير وحميد ، بفتح " أن " ونصب " تذكر " وتخفيفه . وقرأ أهل المدينة : ( أن تضل إحداهما فتذكر ) بفتح " أن " ونصب " تذكر " وتشديده . وقرأ أبان بن تغلب ، ، والأعمش : ( إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) بكسر " إن " ورفع " تذكر " وتشديده . قال وحمزة : ويجوز " تضل " بفتح التاء والضاد . ويجوز " تضل " بكسر التاء وفتح الضاد . والقراءة الأولى حسنة لأن الفصيح أن يقال : أذكرتك ، وذاكرتك : وعظتك . قال - جل وعز - : أبو جعفر وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رحم الله فلانا كأي من آية أذكرنيها " .
وفي هذه القراءة على حسنها من النحو إشكال شديد . قال : هو في مذهب الجزاء ، و " إن " جزاء مقدم أصله التأخير ، أي استشهدوا امرأتين مكان الرجل ، كما تذكر الذاكرة الناسية إن نسيت ، فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله ففتحت " أن " فصار جوابه مردودا عليه . قال : ومثله " إني ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى " . المعنى أنه يعجبه الإعطاء وإن سأل السائل . الفراء
قال : وهذا القول خطأ عند البصريين ؛ لأن " إن " المجازاة لو فتحت انقلب المعنى . وقال أبو جعفر : سيبويه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى انتصب لأنه أمر بالإشهاد لأن تذكر ، ومن أجل أن تذكر . قال : فإن قال إنسان : [ ص: 346 ] كيف جاز أن تقول : " أن تضل " ، ولم يعد هذا للإضلال والالتباس ؟ فإنما ذكر " أن تضل " لأنه سبب الإذكار ، كما يقول الرجل : " أعددته أن يميل الحائط فأدعمه " . وهو لا يطلب بإعداده ذلك ميلان الحائط ، ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه . قال : وسمعت أبو جعفر علي بن سليمان يحكي عن أن التقدير : ممن ترضون من الشهداء كراهة أن تضل إحداهما ، وكراهة أن تذكر إحداهما الأخرى . قال أبي العباس محمد بن يزيد : وهذا القول غلط ، أبو جعفر يجل عن قول مثله ؛ لأن المعنى على خلافه ، وذلك أنه يصير المعنى : كراهة أن تضل إحداهما ، وكراهة أن تذكر إحداهما الأخرى . وهذا محال . وأصح الأقوال : قول وأبو العباس ، ومن قال : " تضل " جاء به على لغة من قال : " ضللت تضل " ، وعلى هذا تقول : " تضل " بكسر التاء ؛ لتدل على أن الماضي فعلت . سيبويه ولا تسأموا قال : يقال : سئمت أسأم سآمة وسآما وسأما وسأما . الأخفش أن تكتبوه في موضع نصب بالفعل ، كما قال :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
صغيرا أو كبيرا على الحال : أعطيته دينه صغر أو كبر . ذلكم أقسط عند الله ابتداء وخبر وأقوم للشهادة عطف عليه ، وكذا : وأدنى ألا في موضع نصب أي من أن لا إلا أن تكون تجارة حاضرة " أن " في موضع نصب استثناء ليس من الأول . قال : أي إلا أن تقع تجارة ، وقال غيره : الأخفش تديرونها الخبر . وقرأ : عاصم إلا أن تكون تجارة حاضرة أي إلا أن تكون [ ص: 347 ] المداينة تجارة حاضرة . وأشهدوا إذا تبايعتم أمر ، فزعم قوم أنه على الندب والتأديب ، وكذا قالوا في قوله : إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه هذا قول ، وزعم أن مثله : " وإذا حللتم فاصطادوا " قال : ومثله : الفراء فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض قال : هذا قول خطأ عند جميع أهل اللغة وأهل النظر ولا يشبه هذا قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا ولا فانتشروا في الأرض لأن هذين إباحة بعد حظر ولا يجوز في اللغة أن يحمل الأمر على الندب إلا بما تستعمله أبو جعفر العرب من تقدم الحظر أو ما أشبه ذلك فزعم قوم أن هذا مما رخص في تركه بغير آية ، وعلى هذا فسروا " أو ننسها " قالوا : نطلق لكم تركها . وقيل : الإباحة في ترك المكاتبة بالدين : فإن أمن بعضكم بعضا وقيل : المكاتبة واجبة كما أمر الله - عز وجل - إذا كان الدين إلى أجل ، وأمر الله بهذا حفظا لحقوق الناس . وقال : المشاهدة واجبة في كل ما يباع قليل أو كثير كما قال الله تعالى : عبد الله بن عمر وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد يجوز أن يكون التقدير : ولا يضارر ، وأن يكون التقدير : ولا يضارر . قال : ورأيت أبو جعفر يميل إلى هذا ، قال : لأن بعده " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " ، فالأولى أن تكون من شهد بغير الحق ، أو حرف في الكتابة أن يقال له : فاسق ؛ فهو أولى ممن سأل شاهدا وهو مشغول أن يشهد . قال المفضل : وقرأ أبا إسحاق : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) قال الأعمش : كسر الراء لالتقاء الساكنين ، وكذلك من فتح إلا أن [ ص: 348 ] الفتح أخف . وقرأ عمر بن الخطاب ، أبو جعفر ، وابن عباس وابن أبي إسحاق : ( ولا يضارر ) بكسر الراء الأولى . وقرأ : ( ولا يضارر ) بفتح الراء الأولى . وهاتان القراءتان على التفسير ، ولا يجوز أن تخالف التلاوة التي في المصحف . ابن مسعود وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم أي فإن هذا الفعل ، ويجوز أن يكون التقدير : فإن الضرار فسوق بكم ، كما قال :
إذا نهي السفيه جرى إليه