هذا حكم الله ، ومن امتنع عن تنفيذه فإنه يحاد الله ورسوله ، ولذا قال تعالى بعد ذلك :
[ ص: 1058 ] nindex.php?page=treesubj&link=19257_19995_30364_30532_33579_34361_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله أي فإن لم تفعلوا وأخذتم ما بقي من الربا فأنتم معاندون لله ولرسوله ، وأنتم في حرب معهما ، ومن حارب الله فإن الله غالبه ، وهو مهزوم لا محالة ، وإن الله سيعاقبه على عظيم ما ارتكب .
وهنا عدة كلمات فيها إشارات بيانية تبين عظيم ما يتعرض له من يعاند الله ورسوله ، ويخالف أحكامه التي يقررها الله تعالى لتنظيم المجتمع الإسلامي ، وتبين أيضا عظيم عمل من يحترم أحكام الله تعالى :
أولى هذه الكلمات : إن الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا أي لم تتركوا ما بقي من الربا ; فعبر عن الترك هنا بالفعل ، فلم يقل : فإن لم تتركوا ، بل قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا وذلك لأن الذين يتركون ما بقي من عقود عقدوها ، يقاومون رغباتهم ويقاومون أهواءهم وشهواتهم ، فهذه المقاومة ، وذلك الكف فعل نفسي جليل يحرضهم سبحانه وتعالى عليه ، ويدعوهم إليه ، فإن فعلوه كان لهم الثواب المقيم والرضا الكريم ، وإن لم يفعلوا فقد أعلنوا الحرب على الله ورسوله . والكلمة الثانية : أن الله سبحانه وتعالى يقول للذين لا يتركون ما حرم الله من ربا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب أي فاعلموا بأنكم في حرب ; وذلك لأن أذن هنا بمعنى علم ، وفي قراءة " فآذنوا " بحرب . ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذه القراءة إن معناها " فأعلموا بها غيركم " وعلى ذلك يكون آذنوا بالحرب معناها الإعلام بها ، وأما أذنوا بحرب فمعناها العلم بها ; ولكن
الراغب الأصفهاني يقول : " إن الإذن بالحرب والإيذان بها بمعنى واحد " ، ولماذا عبر عن معاندتهم لله وحربهم لشريعته بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب ولم يقل فأنتم في حرب ; للإشارة إلى أن الجهالة توهمهم أنهم ليسوا بخارجين عن إرادة الله تعالى إن طالبوا بأحكام العقود التي عقدوها من قبل ، فالله سبحانه وتعالى أعلمهم بأنهم في أخطر مخالفة وأشد معاندة .
والكلمة الثالثة : إنه تعالى قال في الحرب :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب من الله ورسوله ولم يقل في حرب الله ورسوله ، وقد بين السر في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف بقوله : " كان هذا أبلغ ; لأن المعنى فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله
[ ص: 1059 ] ورسوله " أي أن في هذا التعبير الكريم تهويلا لشأن هذه الحرب من ناحيتين : ناحية التنكير ، فهي حرب هائلة لم يدركوا كنهها ، والناحية الثانية ناحية التصريح بإضافتها إلى الله ورسوله ، فهي حرب معهما ، والنتيجة في هذا مؤكدة محتومة .
nindex.php?page=treesubj&link=33579وهذه الحرب أهي مجازية ، أم حقيقية؟ يبدو بادي الرأي أنها مجازية من حيث إن كل معاندة لله ولرسوله عن عمد وبسبق إصرار ، فيها معاندة لأحكامه سبحانه ، ومصادمة لأوامره ونواهيه ، وكل مصادمة لأوامر الله تعالى ونواهيه نوع من الحرب والمحادة له سبحانه .
ولكن بعض المفسرين يقول : إن ذلك كان إيذانا فعلا بالحرب ; كما حارب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر أهل الردة عندما منعوا الزكاة ، وزكوا ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما بلغه صنيع ثقيف من مطالبتهم بربا كان ثمرة لعقود عقدوها من قبل ، قد آذنهم بحرب ، وكتب إلى عتاب بن أسيد والي مكة من قبله يقول له : " إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب "
أي أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبرهم مرتدين يقاتلون باستمرارهم على أكل الربا ; وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام عندما صالح
ثقيفا بعد حرب كان مما نص عليه في هذا الصلح أن ما لهم من ربا على الناس ، وما كان للناس عليهم من ربا موضوع .
وما أجدر بعض الذين يتكلمون في هذا اليوم مستحلين الفوائد على أنها ليست من الربا أن يعتبروا
ببني ثقيف وبني مخزوم ! ! فإن أولئك كانوا يأخذون من الثقفيين ليتجروا ، وليربوا ، فوضع الله الربا الجاهلي كله ، واعتبر المطالبة بما بقي حربا لله ولرسوله . . ألا فليمتنع هؤلاء عن قولهم حتى لا يخاطبوا بقول الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب من الله ورسوله nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون أي أن
nindex.php?page=treesubj&link=5366من يقع في الربا وأراد أن يتوب إلى الله ويرجع إليه ، فليعلم أنه ليس له أن يأخذ بعد تحريم الربا إلا رأس المال . وإن الاقتصار على رأس المال لا يكون فيه ظلم للدائن ، لأنه
[ ص: 1060 ] وصل إليه مثل ما أعطى وليس له وراء ذلك حق ، ولا ظلم فيه على المدين لأن أداء الحق لا ظلم فيه ، وإن امتنع عن إعطاء رأس المال كان ظالما ، ما دام يمتنع عن قدرة ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652225مطل الغني ظلم " .
وفي النص الكريم إشارة إلى أمرين :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=5366_27133_33513من يعطي الربا ليس له إلا رأس المال ، وأن الزيادة أكل لمال الناس بالباطل أيا كانت هذه الزيادة قليلة كانت أو كثيرة ، فلا عبرة بالمقدار مهما يكن ضئيلا ، ولا عبرة بالدين أيا كان نوعه . والتعبير عن أصل الدين برأس المال نص في أن الربا يكون إذا كان الدين قد اتخذ أصلا للاتجار والكسب ; أي أن الدين الذي يؤخذ للاستغلال الربا فيه حرام ، وبالأولى الدين الذي يؤخذ للاستهلاك واختيار ذلك اللفظ بالذات يومئ إلى أن الربا كان يتخذ سبيلا للاستغلال . والتعبير بـ " رأس " أيضا يحسم الخلاف ، لأنه لو عبر بالدين فربما يدعي الربوي أن الدين هو الأصل والزيادة معا .
ثانيهما : الذي يدل عليه النص الكريم : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19704طريق التوبة دائما أن ينقي التائب ماله من كل مال خبيث ، فكل زيادة عليه ترد إلى أصحابها ، وإلا يتصدق بها .
* * *
هَذَا حُكْمُ اللَّهِ ، وَمَنِ امْتَنَعَ عَنْ تَنْفِيذِهِ فَإِنَّهُ يُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ :
[ ص: 1058 ] nindex.php?page=treesubj&link=19257_19995_30364_30532_33579_34361_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَأَخَذْتُمْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا فَأَنْتُمْ مُعَانِدُونَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَأَنْتُمْ فِي حَرْبٍ مَعَهُمَا ، وَمَنْ حَارَبَ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ غَالِبُهُ ، وَهُوَ مَهْزُومٌ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنَّ اللَّهَ سَيُعَاقِبُهُ عَلَى عَظِيمِ مَا ارْتَكَبَ .
وَهُنَا عِدَّةُ كَلِمَاتٍ فِيهَا إِشَارَاتٌ بَيَانِيَّةٌ تُبَيِّنُ عَظِيمَ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَنْ يُعَانِدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُخَالِفُ أَحْكَامَهُ الَّتِي يُقَرِّرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِتَنْظِيمِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ ، وَتُبَيِّنُ أَيْضًا عَظِيمَ عَمَلِ مَنْ يَحْتَرِمُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى :
أُولَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أَيْ لَمْ تَتْرُكُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ; فَعَبَّرَ عَنِ التَّرْكِ هُنَا بِالْفِعْلِ ، فَلَمْ يَقُلْ : فَإِنْ لَمْ تَتْرُكُوا ، بَلْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا بَقِيَ مِنْ عُقُودٍ عَقَدُوهَا ، يُقَاوِمُونَ رَغَبَاتِهِمْ وَيُقَاوِمُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ ، فَهَذِهِ الْمُقَاوَمَةُ ، وَذَلِكَ الْكَفُّ فِعْلٌ نَفْسِيٌّ جَلِيلٌ يُحَرِّضُهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ، فَإِنْ فَعَلُوهُ كَانَ لَهُمُ الثَّوَابُ الْمُقِيمُ وَالرِّضَا الْكَرِيمُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ أَعْلَنُوا الْحَرْبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَالْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ لِلَّذِينَ لَا يَتْرُكُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ رِبًا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أَيْ فَاعْلَمُوا بِأَنَّكُمْ فِي حَرْبٍ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ أَذِنَ هُنَا بِمَعْنَى عَلِمَ ، وَفِي قِرَاءَةٍ " فَآذِنُوا " بِحَرْبٍ . وَيَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِنَّ مَعْنَاهَا " فَأَعْلِمُوا بِهَا غَيْرَكُمْ " وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ آذِنُوا بِالْحَرْبِ مَعْنَاهَا الْإِعْلَامُ بِهَا ، وَأَمَّا أُذِنُوا بِحَرْبٍ فَمَعْنَاهَا الْعِلْمُ بِهَا ; وَلَكِنَّ
الرَّاغِبَ الْأَصْفَهَانِيَّ يَقُولُ : " إِنَّ الْإِذْنَ بِالْحَرْبِ وَالْإِيذَانَ بِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ " ، وَلِمَاذَا عَبَّرَ عَنْ مُعَانَدَتِهِمْ لِلَّهِ وَحَرْبِهِمْ لِشَرِيعَتِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ وَلَمْ يَقُلْ فَأَنْتُمْ فِي حَرْبٍ ; لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ تُوهِمُهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخَارِجِينَ عَنْ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ طَالَبُوا بِأَحْكَامِ الْعُقُودِ الَّتِي عَقَدُوهَا مِنْ قَبْلُ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي أَخْطَرِ مُخَالَفَةٍ وَأَشَدِّ مُعَانَدَةٍ .
وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْحَرْبِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَقُلْ فِي حَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَ السِّرَّ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ بِقَوْلِهِ : " كَانَ هَذَا أَبْلَغَ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَأْذَنُوا بِنَوْعٍ مِنَ الْحَرْبِ عَظِيمٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
[ ص: 1059 ] وَرَسُولِهِ " أَيْ أَنَّ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ الْكَرِيمِ تَهْوِيلًا لِشَأْنِ هَذِهِ الْحَرْبِ مِنْ نَاحِيَتَيْنِ : نَاحِيَةُ التَّنْكِيرِ ، فَهِيَ حَرْبٌ هَائِلَةٌ لَمْ يُدْرِكُوا كُنْهَهَا ، وَالنَّاحِيَةُ الثَّانِيَةُ نَاحِيَةُ التَّصْرِيحِ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِيَ حَرْبٌ مَعَهُمَا ، وَالنَّتِيجَةُ فِي هَذَا مُؤَكَّدَةٌ مَحْتُومَةٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=33579وَهَذِهِ الْحَرْبُ أَهِيَ مَجَازِيَّةٌ ، أَمْ حَقِيقِيَّةٌ؟ يَبْدُو بَادِيَ الرَّأْيِ أَنَّهَا مَجَازِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ مُعَانَدَةٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَنْ عَمْدٍ وَبِسَبْقِ إِصْرَارٍ ، فِيهَا مُعَانَدَةٌ لِأَحْكَامِهِ سُبْحَانَهُ ، وَمُصَادَمَةٌ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَكُلُّ مُصَادَمَةٍ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحَرْبِ وَالْمُحَادَّةِ لَهُ سُبْحَانَهُ .
وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِيذَانًا فِعْلًا بِالْحَرْبِ ; كَمَا حَارَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ عِنْدَمَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ ، وَزَكَّوْا ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا بَلَغَهُ صَنِيعُ ثَقِيفٍ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ بِرِبًا كَانَ ثَمَرَةً لِعُقُودٍ عَقَدُوهَا مِنْ قَبْلُ ، قَدْ آذَنَهُمْ بِحَرْبٍ ، وَكَتَبَ إِلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ وَالِي مَكَّةَ مِنْ قِبَلِهِ يَقُولُ لَهُ : " إِنْ رَضُوا وَإِلَّا فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ "
أَيْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَبَرَهُمْ مُرْتَدِّينَ يُقَاتَلُونَ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا صَالَحَ
ثَقِيفًا بَعْدَ حَرْبٍ كَانَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الصُّلْحِ أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ رِبًا عَلَى النَّاسِ ، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبًا مَوْضُوعٌ .
وَمَا أَجْدَرَ بَعْضَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحِلِّينَ الْفَوَائِدَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الرِّبَا أَنْ يَعْتَبِرُوا
بِبَنِي ثَقِيفٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ ! ! فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ الثَّقَفِيِّينَ لِيَتَّجِرُوا ، وَلِيُرْبُوا ، فَوَضَعَ اللَّهُ الرِّبَا الْجَاهِلِيَّ كُلَّهُ ، وَاعْتَبَرَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا بَقِيَ حَرْبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . . أَلَا فَلْيَمْتَنِعْ هَؤُلَاءِ عَنْ قَوْلِهِمْ حَتَّى لَا يُخَاطَبُوا بِقَوْلِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ أَيْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5366مَنْ يَقَعُ فِي الرِّبَا وَأَرَادَ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ وَيَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا إِلَّا رَأْسَ الْمَالِ . وَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَكُونُ فِيهِ ظُلْمٌ لِلدَّائِنِ ، لِأَنَّهُ
[ ص: 1060 ] وَصَلَ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَعْطَى وَلَيْسَ لَهُ وَرَاءَ ذَلِكَ حَقٌّ ، وَلَا ظُلْمَ فِيهِ عَلَى الْمَدِينِ لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَقِّ لَا ظُلْمَ فِيهِ ، وَإِنِ امْتَنَعَ عَنْ إِعْطَاءِ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ ظَالِمًا ، مَا دَامَ يَمْتَنِعُ عَنْ قُدْرَةٍ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652225مُطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ " .
وَفِي النَّصِّ الْكَرِيمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5366_27133_33513مَنْ يُعْطِي الرِّبَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا رَأْسُ الْمَالِ ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ أَكْلٌ لِمَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَيًّا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً ، فَلَا عِبْرَةَ بِالْمِقْدَارِ مَهْمَا يَكُنْ ضَئِيلًا ، وَلَا عِبْرَةَ بِالدَّيْنِ أَيًّا كَانَ نَوْعُهُ . وَالتَّعْبِيرُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ بِرَأْسِ الْمَالِ نَصٌّ فِي أَنَّ الرِّبَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ قَدِ اتُّخِذَ أَصْلًا لِلِاتِّجَارِ وَالْكَسْبِ ; أَيْ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي يُؤْخَذُ لِلِاسْتِغْلَالِ الرِّبَا فِيهِ حَرَامٌ ، وَبِالْأَوْلَى الدَّيْنُ الَّذِي يُؤْخَذُ لِلِاسْتِهْلَاكِ وَاخْتِيَارُ ذَلِكَ اللَّفْظِ بِالذَّاتِ يُومِئُ إِلَى أَنَّ الرِّبَا كَانَ يُتَّخَذُ سَبِيلًا لِلِاسْتِغْلَالِ . وَالتَّعْبِيرُ بِـ " رَأَسَ " أَيْضًا يَحْسِمُ الْخِلَافَ ، لِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِالدَّيْنِ فَرُبَّمَا يَدَّعِي الرِّبَوِيُّ أَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ مَعًا .
ثَانِيهِمَا : الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ الْكَرِيمُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19704طَرِيقَ التَّوْبَةِ دَائِمًا أَنْ يُنَقِّيَ التَّائِبُ مَالَهُ مِنْ كُلِّ مَالٍ خَبِيثٍ ، فَكُلُّ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ تُرَدُّ إِلَى أَصْحَابِهَا ، وَإِلَّا يَتَصَدَّقُ بِهَا .
* * *