nindex.php?page=treesubj&link=1331_2649_2652_28633_29675_34134_34513_844_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 277
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
* * *
[ ص: 1052 ] بين الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة
nindex.php?page=treesubj&link=5366الجرم العظيم الذي يقع فيه آكل الربا ، والأثر الذي ينال نفوسهم وعقولهم من مغبة إثمهم ، والعذاب الأليم الذي يرتقبهم يوم القيامة ، ثم بين سبحانه بعد ذلك جزاء الصالحين الذين لا يأكلون الربا ، والذين يستبدلون بأكل أموال الناس بالباطل الزكاة يؤدونها ، والفرائض يقيمونها ، وحق الله والناس في أنفسهم وأموالهم يأتون به على الوجه الأكمل ، وبعد بيان تلك المرتبة العالية لأهل الإيمان ، ذكر الطريق لتوبة أكلة الربا ، والمسلك الذي يسلكونه ليرتفعوا إلى مرتبة الطاهرين ، وعاقبة السوء إن استمروا في غيهم يعمهون . ابتدأ سبحانه ببيان الأطهار في مالهم وأنفسهم فقال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ذكر سبحانه ذلك الصنف الفاضل الذي جعله الله تعالى من صفوة عباده ، فوصفه بأربع صفات ، هي : الإيمان . . والعمل الصالح . . وإقامة الصلاة . . وإيتاء الزكاة . أما الوصف الأول فهو الإيمان ، فهو نور القلب به يشرف وبه يهتدي ، وإذا قوي الإيمان تطهرت النفس من كل أدران الهوى ومقاصد السوء . وذكر القرآن الإيمان في أول أوصاف الأبرار لثلاثة أمور :
أولها : إن الإيمان بالله ورسوله إذا استغرق النفس ، واستولى على القلب وجد الإخلاص للناس وطلب الحق ، فاتجه الإنسان بكل جوارحه إليه ; والإخلاص هو النور الذي يهتدي به الإنسان ويحميه من كل حيرة .
وثانيها : إن الإيمان الذي هو الوصف الثابت للمؤمنين هو والربا نقيضان لا يجتمعان ; فما من شخص يأكل الربا أو يبيحه إلا كان منشأ ذلك نقصا في إيمانه ، واضطرابا في يقينه ، إذ يكون إيمانه بالمال أكثر من إيمانه بالله .
وثالثها : إن الإيمان يتضمن معنى الإذعان للحق ، ومن ادعى الإيمان ولم يذعن للحق ، فقد جافى حقيقته .
من أجل هذه المعاني صدرت أوصاف الذين لا يأكلون الربا بوصف الإيمان .
[ ص: 1053 ] والوصف الثاني من
nindex.php?page=treesubj&link=5366أوصاف الذين لا يأكلون الربا : هو العمل الصالح ، والعمل الصالح هو كل عمل فيه خير للمجتمع الذي يعيش فيه المؤمن ، يبتدئ فيه بالأسرة : الأقرب فالأقرب ، ثم بالجيران : الأدنى فالأدنى ، ثم بالعشيرة كلها ، ثم بقومه ، ثم بأمته .
وإن اقتران الإيمان دائما بالعمل الصالح يدل على أن الإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي للخير ، فليس الإيمان في الإسلام مجرد نزاهة روحية ، وتعبد في الصوامع ، إنما الإيمان مظهره عمل إيجابي فيه نفع للناس ; فالإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي ، لا مجرد التقديس السلبي .
وإذا كان العمل الصالح هو النفع العام والنفع الخاص ، فإنه يفترق عن الصلاة والزكاة ، من حيث إن هذه هي الفرائض الوقتية المنظمة للعلاقات بين العبد وربه ، وبين العبد والناس ، أما العمل الصالح فهو الحال الدائمة للمؤمن التي لا تتقيد بزمان ولا مكان ، ولا حال ، فكما أن الإيمان حال دائمة ، فالعمل الصالح أي النفع الدائم المستمر للإنسان هو الذي ينبغي أن يكون حالا دائمة مستمرة للمؤمن .
وذكر هذا الوصف في مقابل أكل الربا فيه إشارة إلى التقابل بين الشر والخير ، والإثم والبر ، فإن الإثم إيذاء للناس ومن ذلك الربا ، وأخلاق المؤمن العمل النافع الدائم للناس ، وهو الخير وهو البر .
والوصف الثالث : إقامة الصلاة ، أي الإتيان بها مقومة غير معوجة بحيث يستذكر فيها المصلي ربه ، ولا يسهو فيها عن ذكره سبحانه ، وما ذكرت الصلاة في مقام المدح للمصلين إلا ذكرت بالإقامة ، لأن إقامتها هي التي تهذب النفس ، وتبعدها عن الفواحش والمنكرات ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر
وإن ذكر الصلاة بجوار العمل الصالح فيه إشارة إلى أن الإسلام يلتقي فيه وصفان جليلان : التهذيب الروحي ، والنزاهة النفسية التي تكون بالصلاة والمداومة
[ ص: 1054 ] على إقامتها ، والعمل النافع المستمر وجلب الخير للناس ، ففيه نزاهة الروح والنفع العام .
والوصف الرابع من أوصاف المؤمنين إيتاء الزكاة ، والزكاة هي الفريضة الاجتماعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى ، وبها يأخذ ولي الأمر من مال الغني ما يسد به حاجة الفقير ، فهي قدر معلوم قدره الشارع الحكيم ، بحيث يأخذه من مال الغني قسرا أو اختيارا ، وذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الجملة أولئك الذين يؤتون الزكاة طواعية واختيارا ، فهم يعطونها محتسبين النية معتقدين أن الزكاة مغنم لهم ومطهرة لأموالهم ، وليست مغرما لهم ، ولا منقصة لأموالهم . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=678300أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن المسلمين بخير ما حسبوا الزكاة مغنما ، ولم يحسبوها مغرما ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها
وذكرت الزكاة في هذا المقام ; لأنها مقابلة للربا كما بينا في الآية السابقة ، وقد تلونا فيما سبق قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون هذا
nindex.php?page=treesubj&link=30483_29468_30531جزاء الذين يؤمنون ، ويعملون العمل الصالح في سبيل النفع ، ويطهرون نفوسهم بالصلاة ، ويطهرون أموالهم بالزكاة ، وقد ذكر سبحانه وتعالى لهم أنواعا ثلاثة من الجزاء . أولها : الأجر ، وهو عوض ما قاموا به من خير ، واعتبر إنعامه عليهم بأضعاف ما صنعوا أجرا وعوضا وهو المنعم المتفضل ، حثا على فعل الخير ، وتعليم الناس الشكر ، ومقابلة الخير بالخير .
والثاني من أنواع الجزاء : الأمن وعدم الخوف ، فلا مزعج يزعج فاعل الخير ، إذ إنه بالعمل للنفع العام ، وتطهير النفس ، وإعطاء الفقير حقه المعلوم قد وقى نفسه ووقى مجتمعه من ذرائع الفتن ونوازع الشر ، هذا في الدنيا ; أما في الآخرة ، فالأمن من عذاب الله تعالى .
[ ص: 1055 ] والجزاء الثالث : أنهم لا يحزنون ، وذلك لأنهم باستقامة قلوبهم ، وامتلائها بالإيمان وتهذيب أرواحهم وأدائهم ما عليهم من واجب في حق أنفسهم ومجتمعهم - قد حصنوا أنفسهم من أسباب الهم والغم ، فلا يأسون على ما يفوتهم ، ولا يجزعون لما يصيبهم ، لأن نفوسهم روحانية تعلو عن متنازع الأهواء التي تملأ النفس بأسباب الهم والغم .
وإن ذكر هذه الأحوال في مقام مقابل لحال الربويين الذين لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس - له مغزاه ومعناه ، إذ فيه بيان للنعيم في مقابل الجحيم ، وللراحة والاطمئنان ، في مقابل الجزع والاضطراب ، وكل امرئ بما كسب رهين .
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=1331_2649_2652_28633_29675_34134_34513_844_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 277
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
* * *
[ ص: 1052 ] بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=5366الْجُرْمَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ آكِلِ الرِّبَا ، وَالْأَثَرَ الَّذِي يَنَالُ نُفُوسَهُمْ وَعُقُولَهُمْ مِنْ مَغَبَّةِ إِثْمِهِمْ ، وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ الَّذِي يَرْتَقِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَزَاءَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ لَا يَأْكُلُونَ الرِّبَا ، وَالَّذِينَ يَسْتَبْدِلُونَ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ الزَّكَاةَ يُؤَدُّونَهَا ، وَالْفَرَائِضَ يُقِيمُونَهَا ، وَحَقَّ اللَّهِ وَالنَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَأْتُونَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ ، وَبَعْدَ بَيَانِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ الْعَالِيَةِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ ، ذَكَرَ الطَّرِيقَ لِتَوْبَةِ أَكَلَةِ الرِّبَا ، وَالْمَسْلَكَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ لِيَرْتَفِعُوا إِلَى مَرْتَبَةِ الطَّاهِرِينَ ، وَعَاقِبَةَ السُّوءِ إِنِ اسْتَمَرُّوا فِي غَيِّهِمْ يَعْمَهُونَ . ابْتَدَأَ سُبْحَانَهُ بِبَيَانِ الْأَطْهَارِ فِي مَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ الصِّنْفَ الْفَاضِلَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صَفْوَةِ عِبَادِهِ ، فَوَصَفَهُ بِأَرْبَعِ صِفَاتٍ ، هِيَ : الْإِيمَانُ . . وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ . . وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ . . وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ . أَمَّا الْوَصْفُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْإِيمَانُ ، فَهُوَ نُورُ الْقَلْبِ بِهِ يَشْرُفُ وَبِهِ يَهْتَدِي ، وَإِذَا قَوِيَ الْإِيمَانُ تَطَهَّرَتِ النَّفْسُ مِنْ كُلِّ أَدْرَانِ الْهَوَى وَمَقَاصِدِ السُّوءِ . وَذَكَرَ الْقُرْآنُ الْإِيمَانَ فِي أَوَّلِ أَوْصَافِ الْأَبْرَارِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
أَوَّلُهَا : إِنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِذَا اسْتَغْرَقَ النَّفْسَ ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْقَلْبِ وُجِدَ الْإِخْلَاصُ لِلنَّاسِ وَطُلِبَ الْحَقُّ ، فَاتَّجَهَ الْإِنْسَانُ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ إِلَيْهِ ; وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النُّورُ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَحْمِيهِ مِنْ كُلِّ حَيْرَةٍ .
وَثَانِيهَا : إِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ الثَّابِتُ لِلْمُؤْمِنِينَ هُوَ وَالرِّبَا نَقِيضَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ ; فَمَا مِنْ شَخْصٍ يَأْكُلُ الرِّبَا أَوْ يُبِيحُهُ إِلَّا كَانَ مَنْشَأَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِ ، وَاضْطِرَابًا فِي يَقِينِهِ ، إِذْ يَكُونُ إِيمَانُهُ بِالْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ إِيمَانِهِ بِاللَّهِ .
وَثَالِثُهَا : إِنَّ الْإِيمَانَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ ، وَمَنِ ادَّعَى الْإِيمَانَ وَلَمْ يُذْعِنْ لِلْحَقِّ ، فَقَدْ جَافَى حَقِيقَتَهُ .
مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَعَانِي صُدِّرَتْ أَوْصَافُ الَّذِينَ لَا يَأْكُلُونَ الرِّبَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ .
[ ص: 1053 ] وَالْوَصْفُ الثَّانِي مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=5366أَوْصَافِ الَّذِينَ لَا يَأْكُلُونَ الرِّبَا : هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ كُلُّ عَمَلٍ فِيهِ خَيْرٌ لِلْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ ، يَبْتَدِئُ فِيهِ بِالْأُسْرَةِ : الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، ثُمَّ بِالْجِيرَانِ : الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى ، ثُمَّ بِالْعَشِيرَةِ كُلِّهَا ، ثُمَّ بِقَوْمِهِ ، ثُمَّ بِأُمَّتِهِ .
وَإِنَّ اقْتِرَانَ الْإِيمَانِ دَائِمًا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَدْعُو إِلَى الْعَمَلِ الْإِيجَابِيِّ لِلْخَيْرِ ، فَلَيْسَ الْإِيمَانُ فِي الْإِسْلَامِ مُجَرَّدَ نَزَاهَةٍ رُوحِيَّةٍ ، وَتَعَبُّدٍ فِي الصَّوَامِعِ ، إِنَّمَا الْإِيمَانُ مَظْهَرُهُ عَمَلٌ إِيجَابِيٌّ فِيهِ نَفْعٌ لِلنَّاسِ ; فَالْإِسْلَامُ يَدْعُو إِلَى الْعَمَلِ الْإِيجَابِيِّ ، لَا مُجَرَّدَ التَّقْدِيسِ السَّلْبِيِّ .
وَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ النَّفْعُ الْعَامُّ وَالنَّفْعُ الْخَاصُّ ، فَإِنَّهُ يَفْتَرِقُ عَنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ الْوَقْتِيَّةُ الْمُنَظِّمَةُ لِلْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ ، وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالنَّاسِ ، أَمَّا الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَهُوَ الْحَالُ الدَّائِمَةُ لِلْمُؤْمِنِ الَّتِي لَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ ، وَلَا حَالٍ ، فَكَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ حَالٌ دَائِمَةٌ ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَيِ النَّفْعُ الدَّائِمُ الْمُسْتَمِرُّ لِلْإِنْسَانِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالًا دَائِمَةً مُسْتَمِرَّةً لِلْمُؤْمِنِ .
وَذِكْرُ هَذَا الْوَصْفِ فِي مُقَابِلِ أَكْلِ الرِّبَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّقَابُلِ بَيْنَ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ ، وَالْإِثْمِ وَالْبِرِّ ، فَإِنَّ الْإِثْمَ إِيذَاءٌ لِلنَّاسِ وَمِنْ ذَلِكَ الرِّبَا ، وَأَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِ الْعَمَلُ النَّافِعُ الدَّائِمُ لِلنَّاسِ ، وَهُوَ الْخَيْرُ وَهُوَ الْبِرُّ .
وَالْوَصْفُ الثَّالِثُ : إِقَامَةُ الصَّلَاةِ ، أَيِ الْإِتْيَانُ بِهَا مُقَوَّمَةً غَيْرَ مُعْوَجَّةٍ بِحَيْثُ يَسْتَذْكِرُ فِيهَا الْمُصَلِّي رَبَّهُ ، وَلَا يَسْهُو فِيهَا عَنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ ، وَمَا ذُكِرَتِ الصَّلَاةُ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ لِلْمُصَلِّينَ إِلَّا ذُكِرَتْ بِالْإِقَامَةِ ، لِأَنَّ إِقَامَتَهَا هِيَ الَّتِي تُهَذِّبُ النَّفْسَ ، وَتُبْعِدُهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَإِنَّ ذِكْرَ الصَّلَاةِ بِجِوَارِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَلْتَقِي فِيهِ وَصْفَانِ جَلِيلَانِ : التَّهْذِيبُ الرُّوحِيُّ ، وَالنَّزَاهَةُ النَّفْسِيَّةُ الَّتِي تَكُونُ بِالصَّلَاةِ وَالْمُدَاوَمَةِ
[ ص: 1054 ] عَلَى إِقَامَتِهَا ، وَالْعَمَلِ النَّافِعِ الْمُسْتَمِرِّ وَجَلْبِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ ، فَفِيهِ نَزَاهَةُ الرُّوحِ وَالنَّفْعُ الْعَامُّ .
وَالْوَصْفُ الرَّابِعُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَالزَّكَاةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَبِهَا يَأْخُذُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ مَالِ الْغَنِيِّ مَا يَسُدُّ بِهِ حَاجَةَ الْفَقِيرِ ، فَهِيَ قَدْرٌ مَعْلُومٌ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ ، بِحَيْثُ يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْغَنِيِّ قَسْرًا أَوِ اخْتِيَارًا ، وَذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ طَوَاعِيَةً وَاخْتِيَارًا ، فَهُمْ يُعْطُونَهَا مُحْتَسِبِينَ النِّيَّةَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الزَّكَاةَ مَغْنَمٌ لَهُمْ وَمُطَهِّرَةٌ لِأَمْوَالِهِمْ ، وَلَيْسَتْ مَغْرَمًا لَهُمْ ، وَلَا مُنْقِصَةً لِأَمْوَالِهِمْ . وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=678300أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ مَا حَسَبُوا الزَّكَاةَ مَغْنَمًا ، وَلَمْ يَحْسَبُوهَا مَغْرَمًا ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَذُكِرَتِ الزَّكَاةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ; لِأَنَّهَا مُقَابِلَةٌ لِلرِّبَا كَمَا بَيَّنَّا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَقَدْ تَلَوْنَا فِيمَا سَبَقَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30483_29468_30531جَزَاءُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ، وَيَعْمَلُونَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي سَبِيلِ النَّفْعِ ، وَيُطَهِّرُونَ نُفُوسَهُمْ بِالصَّلَاةِ ، وَيُطَهِّرُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ أَنْوَاعًا ثَلَاثَةً مِنَ الْجَزَاءِ . أَوَّلُهَا : الْأَجْرُ ، وَهُوَ عِوَضُ مَا قَامُوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ ، وَاعْتَبَرَ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ بِأَضْعَافِ مَا صَنَعُوا أَجْرًا وَعِوَضًا وَهُوَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ ، حَثًّا عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ ، وَتَعْلِيمِ النَّاسِ الشُّكْرَ ، وَمُقَابَلَةِ الْخَيْرِ بِالْخَيْرِ .
وَالثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْجَزَاءِ : الْأَمْنُ وَعَدَمُ الْخَوْفِ ، فَلَا مُزْعِجَ يُزْعِجُ فَاعِلَ الْخَيْرِ ، إِذْ إِنَّهُ بِالْعَمَلِ لِلنَّفْعِ الْعَامِّ ، وَتَطْهِيرِ النَّفْسِ ، وَإِعْطَاءِ الْفَقِيرِ حَقَّهُ الْمَعْلُومَ قَدْ وَقَى نَفْسَهُ وَوَقَى مُجْتَمَعَهُ مِنْ ذَرَائِعِ الْفِتَنِ وَنَوَازِعِ الشَّرِّ ، هَذَا فِي الدُّنْيَا ; أَمَّا فِي الْآخِرَةِ ، فَالْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 1055 ] وَالْجَزَاءُ الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ لَا يَحْزَنُونَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بِاسْتِقَامَةِ قُلُوبِهِمْ ، وَامْتِلَائِهَا بِالْإِيمَانِ وَتَهْذِيبِ أَرْوَاحِهِمْ وَأَدَائِهِمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ وَاجِبٍ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ - قَدْ حَصَّنُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ ، فَلَا يَأْسَوْنَ عَلَى مَا يَفُوتُهُمْ ، وَلَا يَجْزَعُونَ لِمَا يُصِيبُهُمْ ، لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ رُوحَانِيَّةٌ تَعْلُو عَنْ مُتَنَازَعِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي تَمْلَأُ النَّفْسَ بِأَسْبَابِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ .
وَإِنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي مَقَامٍ مُقَابِلٍ لِحَالِ الرِّبَوِيَّيْنِ الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ - لَهُ مَغْزَاهُ وَمَعْنَاهُ ، إِذْ فِيهِ بَيَانٌ لِلنَّعِيمِ فِي مُقَابِلِ الْجَحِيمِ ، وَلِلرَّاحَةِ وَالِاطْمِئْنَانِ ، فِي مُقَابِلِ الْجَزَعِ وَالِاضْطِرَابِ ، وَكُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ .
* * *