[ ص: 498 ] سورة الجن
قوله تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا
[قال ] : حدثنا البخاري : ثنا مسدد ، عن أبو عوانة أبي بشر - هو: جعفر ابن أبي وحشية - عن ، عن سعيد بن جبير ، قال: ابن عباس عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة - عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا - والله - الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا يا قومنا: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا )، فأنزل الله على نبيه: قل أوحي إلي وإنما أوحي إليه قول الجن . هذه القصة كانت في أول البعثة . [ ص: 499 ] وهذا الحديث مما أرسله انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق ، ولم يسم من حدثه به من الصحابة . ويحتمل أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي عن نفسه . والله أعلم ابن عباس
. وسوق عكاظ نحو نخلة، كان يجتمع فيه العرب، ولهم فيه سوق، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج إليهم، فيدعوهم إلى الله عز وجل، وقد كانت الشهب يرمى بها في الجاهلية، وإنما كثرت عندما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد قال وغيره: إن السماء لم تحرس إلا حيث كان في الأرض نبي أو دين لله ظاهر . السدي
والمقصود من هذا الحديث هاهنا: أن الشياطين لما مروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، وقفوا واستمعوا القرآن . وهذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالقراءة في صلاة الصبح، فلما سمعوا عرفوا أنه هو الذي حال بينهم وبين خبر السماء .
وظاهر هذا السياق: يقتضي أن الشياطين آمنوا بالقرآن، وكذا قال وغيره . السدي
وقد اختلف في الجن والشياطين: هل هم جنس واحد، أو لا؟
فقالت طائفة: الجن كلهم ولد إبليس، كما أن الإنس كلهم ولد آدم . روي هذا عن من وجه فيه نظر . وأنهم لا يدخلون الجنة . ابن عباس
وروي - أيضا - عن وأنه قال: مؤمنهم وفي لله وله الثواب ومشركهم شيطان له العقاب . الحسن،
وقالت طائفة: بل الشياطين ولد إبليس، وهم كفار ولا يموتون إلا مع [ ص: 500 ] إبليس، والجن ولد الجان، وليسوا شياطين، وهم يموتون، وفيهم المؤمن والكافر .
روي هذا عن بإسناد فيه نظر - أيضا . ابن عباس
وقوله: "وإنما أوحي إليه قول الجن " يشير إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير الجن، ولا قرأ عليهم وإنما أوحي إليه استماعهم القرآن منه وإيمانهم به . ابن عباس
وقد روي ذلك صريحا عنه، أنه قال في أول هذا الحديث: ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجن ولا رآهم - ثم ذكر هذا الحديث .