فصل أول ما في الحديث سؤاله عن " " : فأجابه بأن { الإسلام محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت } وهذه الخمس هي المذكورة في حديث الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن ابن عمر المتفق عليه { محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا } . وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرض الله الحج فلهذا ذكر الخمس : وأكثر الأحاديث لا يوجد فيها ذكر الحج في حديث وفد بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن عبد القيس { محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس } . [ ص: 598 ] وحديث آمركم بالإيمان بالله وحده . أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن وفد عبد القيس من أشهر الأحاديث وأصحها . وفي بعض طرق البخاري لم يذكر الصيام لكن هو مذكور في كثير من طرقه وفي مسلم وهو أيضا مذكور في حديث أبي سعيد الذي ذكر فيه قصة وفد عبد القيس رواه مسلم في صحيحه عنه واتفقا على حديث ابن عباس وفيه أنه أمرهم بإيتاء الخمس من المغنم ; والخمس إنما فرض في غزوة بدر ، وشهر رمضان فرض قبل ذلك . ووفد عبد القيس من خيار الوفد الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل فرض الحج وقد قيل قدموا سنة الوفود : سنة تسع والصواب أنهم قدموا قبل ذلك فإنهم قالوا إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر - يعنون أهل نجد - وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام وسنة تسع كانت العرب قد ذلت وتركت الحرب وكانوا بين مسلم أو معاهد خائف لما فتح الله مكة ثم هزموا هوازن يوم حنين وإنما كانوا ينتظرون بإسلامهم فتح مكة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج سنة تسع وأردفه رضي الله عنه لتنفيذ العهود التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعلي بن أبي طالب العرب إلا أنه أجلهم أربعة أشهر من حين حجة أبي بكر وكانت في ذي القعدة .
وقد قال تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية وهذه الأربعة التي أجلوها الأربعة الحرم . [ ص: 599 ] ولهذا غزا النبي صلى الله عليه وسلم النصارى بأرض الروم عام تبوك سنة تسع قبل إرسال أبي بكر أميرا على الموسم وإنما أمكنه غزو النصارى لما اطمأن من جهة مشركي العرب وعلم أنه لا خوف على الإسلام منهم ; ولهذا لم يأذن لأحد ممن يصلح للقتال في التخلف فلم يتخلف إلا منافق : أو الثلاثة الذين تيب عليهم أو معذور ولهذا لما { عليا على المدينة عام تبوك طعن المنافقون فيه لضعف هذا الاستخلاف وقالوا : إنما خلفه لأنه يبغضه . فاتبعه علي وهو يبكي فقال : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي } . وكان قبل ذلك يستخلف على استخلف المدينة من يستخلفه وفيها رجال من أهل القتال وذلك لأنه لم يكن حينئذ بأرض العرب لا بمكة ولا بنجد ونحوهما من يقاتل أهل دار الإسلام - مكة والمدينة وغيرهما - ولا يخيفهم : ثم لما رجع من تبوك أقر أبا بكر على الموسم يقيم الحج والصلاة ويأمر ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأتبعه بعلي لأجل نقض العهود ; إذ كانت عادة العرب أن لا يقبلوا إلا من المطاع الكبير أو من رجل من أهل بيته .
و ( المقصود : أن هذا يبين أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل ذلك وأما " حديث ضمام " فرواه مسلم في صحيحه عن { أنس بن مالك : نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل يسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال : صدق [ ص: 600 ] قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك قال : نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال : صدق ثم ولى الرجل وقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة } . { أنس قال : بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ; ثم قال لهم : أيكم محمد ؟ - والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم - فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ؟ فقال له الرجل : ابن عبد المطلب ؟ فقال له : النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال الرجل : للنبي صلى الله عليه وسلم إنني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك ; فقال : سل عما بدا لك ؟ فقال : أسألك بربك ورب من قبلك ؟ آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال : اللهم نعم وذكر أنه سأله عن الصلاة والزكاة ; ولم يذكر الصيام والحج فقال : الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ; وأنا ضمام [ ص: 601 ] بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر } . هذان الطريقان في الصحيحين لكن وعن البخاري لم يذكر في الأول الحج ; بل ذكر الصيام ; والسياق الأول أتم ; والناس يجعلون الحديثين حديثا واحدا . ويشبه - والله أعلم - أن يكون البخاري رأى أن ذكر الحج فيه وهما لأن سعد بن أبي بكر ; هم من هوازن وهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوازن كانت معهم وقعة حنين بعد فتح مكة فأسلموا كلهم بعد الوقعة ودفع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان بعد أن قسمها على المعسكر واستطاب أنفسهم في ذلك فلا تكون هذه الزيارة إلا قبل فتح مكة ، والحج لم يكن فرض إذ ذاك .
وحديث طلحة بن عبيد الله ليس فيه إلا الصلاة والزكاة والصيام وقد قيل : إنه حديث ضمام وهو في الصحيحين عن طلحة بن عبيد الله قال : { أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال : هل علي غير ذلك ؟ قال : لا إلا أن تطوع . قال : وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال : هل علي غيرها قال : لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق } وليس في شيء من [ ص: 602 ] طرقه ذكر الحج بل فيه ذكر الصلاة والزكاة والصيام كما في حديث وفد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس . وفي الصحيحين أيضا " { أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا أبي هريرة } وهذا يحتمل أن يكون عن ضماما وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الصلاة والزكاة فقط كما في الصحيحين { أبي أيوب الأنصاري أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال : يا رسول الله أو يا محمد .
أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال : فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه ثم قال : لقد وفق أو لقد هدي ثم قال : كيف قلت ؟ قال : فأعاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصل الرحم فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تمسك بما أمر به دخل الجنة } هذه الألفاظ في عن مسلم . وقد جاء ذكر الصلاة والصيام في حديث النعمان بن قوقل رواه مسلم { جابر بن عبد الله قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال : أرأيت إذا [ ص: 603 ] صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أدخل الجنة ؟ قال : نعم قال : والله لا أزيد على ذلك شيئا } . وفي لفظ " أتى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعمان بن قوقل . وحديث النعمان هذا قديم ; فإن النعمان بن قوقل قتل قبل فتح مكة قتله بعض بني سعد بن العاص كما ثبت ذلك في الصحيح فهذه الأحاديث خرجت جوابا لسؤال سائلين . أما حديث ابن عمر فإنه مبتدأ وأحاديث الدعوة والقتال فيها الصلاة والزكاة كما في الصحيحين عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الله بن عمر محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله } . أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث رواه أبي هريرة مسلم عن جابر { } . فقال قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال . فكان من فقه أبي بكر أنه فهم من ذلك الحديث المختصر أن القتال على الزكاة قتال على حق المال وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مراده بذلك في اللفظ المبسوط الذي رواه ابن عمر . والقرآن صريح في موافقة حديث ابن عمر كما قال تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . [ ص: 604 ] وحديث معاذ لما بعثه إلى اليمن لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة والزكاة . فلما كان في بعض الأحاديث ذكر بعض الأركان دون بعض أشكل ذلك على بعض الناس . فأجاب بعض الناس بأن سبب هذا أن الرواة اختصر بعضهم الحديث الذي رواه ; وليس الأمر كذلك ; فإن هذا طعن في الرواة ونسبة لهم إلى الكذب إذ هذا الذي ذكره إنما يقع في الحديث الواحد مثل حديث وفد عبد القيس حيث ذكر بعضهم الصيام وبعضهم لم يذكره ، وحديث ضمام حيث ذكر بعضهم الخمس وبعضهم لم يذكره ، وحديث النعمان بن قوقل حيث ذكر بعضهم فيه الصيام ، وبعضهم لم يذكره فبهذا يعلم أن أحد الراويين اختصر البعض أو غلط في الزيادة .
فأما الحديثان المنفصلان فليس الأمر فيهما كذلك لا سيما والأحاديث قد تواترت بكون الأجوبة كانت مختلفة وفيهما ما بين قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا تارة وبهذا تارة والقرآن يصدق ذلك فإن الله علق الأخوة الإيمانية في بعض الآيات بالصلاة والزكاة فقط كما في قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } كما أنه علق ترك القتال على ذلك في قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقد تقدم حديث ابن عمر الذي في الصحيحين موافقا لهذه الآية و " أيضا " فإن في حديث وفد عبد القيس ذكر خمس المغنم لأنهم كانوا طائفة ممتنعة يقاتلون [ ص: 605 ] ومثل هذا لا يذكر جواب سؤال سائل بما يجب عليه في حق نفسه ولكن عن هذا " جوابان " : ( أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بحسب نزول الفرائض وأول ما فرض الله الشهادتين ثم الصلاة فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي ; بل قد ثبت { اقرأ باسم ربك الذي خلق } { خلق الإنسان من علق } - إلى قوله - { علم الإنسان ما لم يعلم } ثم أنزل عليه بعد ذلك { يا أيها المدثر } { قم فأنذر } } فهذا الخطاب إرسال له إلى الناس والإرسال بعد الإنباء ; فإن الخطاب الأول ليس فيه إرسال وآخر سورة اقرأ { في الصحيح أن أول ما أنزل عليه : { واسجد واقترب } . فأول السورة أمر بالقراءة وآخرها أمر بالسجود والصلاة مؤلفة من أقوال وأعمال فأفضل أقوالها القراءة وأفضل أعمالها السجود والقراءة أول أقوالها المقصودة وما بعده تبع له .
وقد روي أن الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ثم فرضت الخمس ليلة المعراج وكانت ركعتين ركعتين ; فلما هاجر أقرت صلاة السفر ; وزيد في صلاة الحضر وكانت الصلاة تكمل شيئا بعد شيء فكانوا أولا يتكلمون في الصلاة ولم يكن فيها تشهد ثم أمروا بالتشهد ; وحرم عليهم الكلام ; وكذلك لم يكن بمكة لهم أذان . وإنما شرع الأذان بالمدينة بعد الهجرة ; وكذلك صلاة الجمعة والعيد ; والكسوف ; والاستسقاء وقيام رمضان وغير ذلك . إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة . [ ص: 606 ] وأمروا بالزكاة ; والإحسان في مكة أيضا ; ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة . وأما " صوم شهر رمضان " فهو إنما فرض في السنة الثانية من الهجرة وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات . وأما " الحج " فقد تنازع الناس في وجوبه ; فقالت طائفة فرض سنة ست من الهجرة عام الحديبية باتفاق الناس قالوا : وهذه الآية تدل على وجوب الحج ووجوب العمرة أيضا لأن الأمر بالإتمام يتضمن الأمر بابتداء الفعل وإتمامه . وقال الأكثرون : إنما وجب الحج متأخرا قيل سنة تسع ; وقيل سنة عشر وهذا هو الصحيح ; فإن آية الإيجاب إنما هي قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وهذه الآية في آل عمران في سياق مخاطبته لأهل الكتاب ، وصدر آل عمران وما فيها من مخاطبة أهل الكتاب نزل لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران النصارى وناظروه في أمر المسيح ; وهم أول من أدى الجزية من أهل الكتاب وكان ذلك بعد إنزال سورة براءة التي شرع فيها الجزية وأمر فيها بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وغزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك التي غزا فيها النصارى لما أمر الله بذلك في قوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ولهذا لم يذكر وجوب الحج في عامة الأحاديث وإنما جاء في الأحاديث المتأخرة .
وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس وكان قدومهم قبل فتح مكة على الصحيح كما قد بيناه وقالوا : يا رسول الله إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر يعنون بذلك أهل نجد : من تميم وأسد وغطفان لأنهم بين البحرين وبين المدينة وعبد القيس هم من ربيعة ليسوا من مضر ولما فتحت مكة زال هذا الخوف ولما قدم عليه وفد عبد القيس أمرهم بالصلاة والزكاة ; وصيام رمضان ; وخمس المغنم ; ولم يأمرهم بالحج وحديث ضمام قد تقدم أن البخاري لم يذكر فيه الحج كما لم يذكره في حديث طلحة وغيرهما مع قولهم : إن هذه الأحاديث هي من قصة وأبي هريرة ضمام وهذا ممكن ; مع أن تاريخ قدوم ضمام هذا ليس متيقنا . وأما قوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } فليس في هذه الآية إلا الأمر بإتمام ذلك وذلك يوجب إتمام ذلك على من دخل فيه فنزل الأمر بذلك لما أحرموا بالعمرة عام الحديبية ثم أحصروا فأمروا بالإتمام وبين لهم حكم الإحصار ولم يكن حينئذ قد وجب عليهم لا عمرة ولا حج . ( الجواب الثاني : أنه كان يذكر في كل مقام ما يناسبه فيذكر تارة كالصلاة والزكاة [ ص: 608 ] ويذكر تارة ما يجب على السائل فمن أجابه بالصلاة والصيام لم يكن عليه زكاة يؤديها ومن أجابه بالصلاة والزكاة والصيام : فإما أن يكون قبل فرض الحج وهذا هو الواجب في مثل حديث الفرائض الظاهرة التي تقاتل على تركها الطائفة الممتنعة عبد القيس ونحوه وإما أن يكون السائل ممن لا حج عليه .
وأما ; لأنهما عبادتان ; بخلاف الصوم فإنه أمر باطن وهو مما ائتمن عليه الناس فهو من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحو ذلك مما يؤتمن عليه العبد ; فإن الإنسان يمكنه ألا ينوي الصوم وأن يأكل سرا كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته وأما الصلاة والزكاة فأمر ظاهر لا يمكن الإنسان بين المؤمنين أن يمتنع من ذلك . وهو صلى الله عليه وسلم يذكر في الإسلام الأعمال الظاهرة التي يقاتل عليها الناس ويصيرون مسلمين بفعلها ; فلهذا علق ذلك بالصلاة والزكاة دون الصيام وإن كان الصوم واجبا كما في آيتي براءة فإن براءة نزلت بعد فرض الصيام باتفاق الناس . وكذلك { الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض ; ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما إلى معاذ بن جبل اليمن قال له : إنك تأتي قوما أهل كتاب ; فليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك ; فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ; فإن هم أطاعوك لذلك [ ص: 609 ] فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } أخرجاه في الصحيحين . لما بعث ومعاذ أرسله إلى اليمن في آخر الأمر بعد فرض الصيام ; بل بعد فتح مكة بل بعد تبوك وبعد فرض الحج والجزية فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات ومعاذ باليمن وإنما قدم المدينة بعد موته ; ولم يذكر في هذا الحديث الصيام لأنه تبع وهو باطن ولا ذكر الحج ; لأن وجوبه خاص ليس بعام وهو لا يجب في العمر إلا مرة .