فصل يجب أن يعرف أن ; بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها . فإن بني ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم { } . رواه إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم أبو داود من حديث أبي سعيد . وأبي هريرة
وروى في المسند عن الإمام أحمد عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع . ولأن لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة . وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم . وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ; ولهذا روي : { الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } . أن السلطان ظل الله في الأرض
[ ص: 391 ] ويقال { ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان } . والتجربة تبين ذلك .
ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياض وغيرهما - يقولون : لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { وأحمد بن حنبل } . رواه إن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم مسلم . وقال : { } . رواه أهل السنن . وفي الصحيح عنه أنه قال : { ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } . الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
فالواجب ; فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات . وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها . وقد روى اتخاذ الأمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله كعب بن مالك { } . قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه الترمذي حديث حسن صحيح . فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة [ ص: 392 ] يفسد دينه مثل أو أكثر من فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم .
وقد أخبر الله تعالى عن الذي يؤتى كتابه بشماله أنه يقول : { ما أغنى عني ماليه } { هلك عني سلطانيه } .
وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون وجامع المال أن يكون كقارون وقد بين الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون فقال تعالى : { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق } وقال تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } .