[ ص: 415 ] ( فصل ) : وكذلك : مثل أن يقال للرجل : أنت شكيلي ، أو قرفندي ، فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في الآثار المعروفة عن التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله سلف الأئمة لا شكيلي ولا قرفندي .
والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول : لا أنا شكيلي ولا قرفندي ; بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله .
وقد روينا عن : أنه سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقال : أنت على ملة عبد الله بن عباس علي أو ملة عثمان ؟ فقال : لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان كل من السلف يقولون : كل هذه الأهواء في النار : ويقول أحدهم : ما أبالي أي النعمتين أعظم ؟ على أن هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء ، والله تعالى قد سمانا في القرآن : المسلمين المؤمنين عباد الله فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم - وسموها هم وآباؤهم - ما أنزل الله بها من سلطان .
[ ص: 416 ] بل الأسماء التي قد يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي أو إلى شيخ كالقادري والعدوي ونحوهم أو مثل الانتساب إلى القبائل : كالقيسي واليماني وإلى الأمصار كالشامي والعراقي والمصري .
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان .
وأولياء الله الذين هم أولياؤه : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون وقد بين المتقين في قوله تعالى { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } والتقوى هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ففي صحيح حال أولياء الله وما صاروا به أولياء البخاري عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . يقول الله - تبارك وتعالى - : من عادى لي وليا فقد بارزني [ ص: 417 ] بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه
فقد ذكر في هذا الحديث أن التقرب إلى الله تعالى على درجتين : ( إحداهما ) : التقرب إليه بالفرائض .
( والثانية ) : هي . التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض
فالأولى درجة " المقتصدين " الأبرار أصحاب اليمين .
والثانية درجة " السابقين " المؤمنين كما قال الله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } { على الأرائك ينظرون } { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } { يسقون من رحيق مختوم } { ختامه مسك } { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .
قال ابن عباس رضي الله عنهما يمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشربه المقربون صرفا .
وقد ذكر الله هذا المعنى في عدة مواضع من كتابه فكل من آمن بالله ورسوله واتقى الله فهو من أولياء الله .
[ ص: 418 ] والله سبحانه قد أوجب وأوجب عليهم موالاة المؤمنين بعضهم لبعض . معاداة الكافرين
فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } { ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } .
فقد أخبر سبحانه أن ولي المؤمن هو الله ورسوله ، وعباده المؤمنين وهذا عام في كل مؤمن موصوف بهذه الصفة سواء كان من أهل نسبة أو بلدة أو مذهب أو طريقة أو لم يكن وقال الله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } إلى [ ص: 419 ] قوله { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } وقال تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } إلى قوله تعالى { فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .
وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
{ } وفي الصحاح أيضا أنه قال : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } وفي الصحاح أيضا أنه قال : { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه } وقال صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة . المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه
وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض وجعلهم إخوة وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن الافتراق والاختلاف فقال : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } .
وقال : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله } الآية .
فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف [ ص: 420 ] حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى ; بلا برهان من الله تعالى .
وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان هكذا .
فهذا فعل أهل البدع ; كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم .
وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه وإن كان غيره أتقى لله منه .
وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله ، ويؤخر من أخره الله ورسوله ، ويحب ما أحبه الله ورسوله ، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله ; وينهى عما نهى الله عنه ورسوله وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله ; وأن يكون المسلمون يدا واحدة فكيف إذا بلغ الأمر ببعض الناس إلى أن يضلل غيره ويكفره وقد يكون الصواب معه وهو الموافق للكتاب والسنة ; ولو كان أخوه المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين فليس كل من أخطأ يكون كافرا ولا فاسقا بل قد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت في الصحيح أن الله قال : قد فعلت } . وقد قال تعالى في كتابه في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : {
لا سيما وقد يكون من يوافقكم في أخص من الإسلام مثل أن يكون مثلكم [ ص: 421 ] على مذهب أو منتسبا إلى الشيخ " الشافعي " " عدي " ثم بعد هذا قد يخالف في شيء وربما كان الصواب معه فكيف يستحل عرضه ودمه أو ماله ؟ مع ما قد ذكر الله تعالى من حقوق المسلم والمؤمن .
وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها ; وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها .
وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } .
فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا ; فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب .
وجماع ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } إلى قوله : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } فمن الأمر بالمعروف : الأمر بالائتلاف والاجتماع ; والنهي [ ص: 422 ] عن الاختلاف والفرقة ومن النهي عن المنكر إقامة الحدود على من خرج من شريعة الله تعالى .
فمن فإنه يستتاب . اعتقد في بشر أنه إله ; أو دعا ميتا ; أو طلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه أو سجد له
فإن تاب وإلا ضربت عنقه .
ومن أو فضل أحدا من " المشايخ " على النبي صلى الله عليه وسلم استتيب . اعتقد أن أحدا يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن تاب وإلا ضربت عنقه .
وكذلك من محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ; لأن اعتقد أن أحدا من " أولياء الله " يكون مع الخضر لم يكن من أمة موسى عليه السلام ولا كان يجب عليه طاعته بل قال له : إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه ; وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه .
وكان مبعوثا إلى بني إسرائيل .
كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم { } . وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة
ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين : إنسهم وجنهم ، فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله .