[ ص: 300 ] وقال رحمه الله فصل في الحمام قد كره الإمام أحمد وذلك لاشتماله على أمور محرمة كثيرا . أو غالبا مثل كشف العورات ومسها والنظر إليها والدخول المنهي عنه إليها كنهي النساء وقد تشتمل على فعل فواحش كبيرة وصغيرة بالنساء والرجال . وجاء في الحديث الذي رواه بناء الحمام وبيعه وشرائه وكرائه الطبراني : { } . ومن المنكرات التي يكثر فيها تصوير الحيوان في حيطانها وهذا متفق عليه . إن الشيطان قال : يا رب اجعل لي بيتا قال : بيتك الحمام
قلت : قد كتبت في غير هذا الموضع : أنه لا بد من تقييد ذلك بما إذا لم يحتج إليها فأقول هنا : إن جوابات أحمد ونصوصه إما أن تكون مقيدة في نفسه بأن يكون خرج كلامه على الحمامات التي يعهدها في العراق والحجاز واليمن وهي جمهور البلاد التي انتابها فإنه لم يذهب [ ص: 301 ] إلى خراسان ولم يأت إلى غير هذه البلاد إلا مرة في مجيئه إلى دمشق . وهذه البلاد المذكورة الغالب عليها الحر وأهلها لا يحتاجون إلى الحمام غالبا ; ولهذا لم يكن بأرض الحجاز حمام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه . ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حماما ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان . والحديث الذي يروى : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الحمام موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث . ولكن علي لما قدم العراق كان بها حمامات وقد دخل الحمام غير واحد من الصحابة وبني بالجحفة حمام دخلها ابن عباس وهو محرم .
وإما أن يكون جواب أحمد كان مطلقا في نفسه وصورة الحاجة لم يستشعرها نفيا ولا إثباتا فلا يكون جوابه متناولا لها فلا يحكى عنه فيها كراهة .
وإما أن يكون قصد بجوابه المنع العام عند الحاجة وعدمها وهذا أبعد المحامل الثلاثة أن يحمل عليه كلامه فإن أصوله وسائر نصوصه في نظائر ذلك تأبى ذلك وهو أيضا مخالف لأصول الشريعة وقد نقل عنه أنه لما مرض وصف له الحمام .
وكان لا يدخل الحمام اقتداء أبو عبد الله بابن عمر فإنه كان لا يدخلها ويقول هي : من رقيق العيش وهذا ممكن في أرض [ ص: 302 ] يستغني أهلها عن الحمام كما يمكن الاستغناء عن الفراء والحشايا في مثل تلك البلاد .
والكلام في فصلين : أحدهما : في تفصيل حكم ما ذكر من بنائها وبيعها وإجارتها والأقسام أربعة : فإنه لا يخلو : إما أن يحتاج إليها من غير محظور أو لا يحتاج إليها ولا محظور أو يحتاج إليها مع المحظور أو يكون هناك محظور من غير حاجة .
فأما الأول : فلا ريب في الجواز : مثل أن يبني الرجل لنفسه وأهله حماما في البلاد الباردة ولا يفعل فيها ما نهى الله عنه فهنا حاجة . أو مثل : أن يقدر بناء حمام عامة في بلاد باردة وصيانتها عن كل محظور فإن البناء والبيع والكراء هنا بمنزلة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا لا ريب في جوازه وقد دخلها غير واحد من دخول الرجل إلى الحمام الخاصة أو المشتركة مع غض بصره وحفظ فرجه وقيامه بما يجب الصحابة .
وأحاديث الرخصة فيها مشهورة . كحديث أبي سعيد الخدري الذي [ ص: 303 ] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وعلى هذا اعتمدوا في الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام . وقد أرسله طائفة وأسنده آخرون وحكموا له بالثبوت واستثناؤه الحمام من الأرض كاستثنائه المقبرة في كونها مسجدا دليل على إقرارها في الأرض وأنه لا ينهى عن الانتفاع بها مطلقا ; إذ لو كان يجب إزالتها ويحرم بناؤها ودخولها لم تخص الصلاة بالمنع . الصلاة في الحمام
والنهي عن الصلاة في الحمام قد قال بعض الأصحاب : كأبي بكر والقاضي : إنه يعيد . قيل : لأنه محل الشياطين وفيه وجه . وهو التعليل بمظنة النجاسة والمشهور أن المنع يتناول ما يدخل في البيع وهو المشلح والمغتسل والأندر .
وقد يقال : الحمام فعال من الحم وهو المكان الذي فيه الهواء الحار والماء الحار يتعرضن فيه .
فأما المشلح الذي توضع فيه الثياب وهو بارد لا يغتسل فيه ولا يقعد فيه إلا المتلبس فليس هو مكان حمام والدخول في المنع لا يصلح له تعليل .
[ ص: 304 ] وقد بينا أن على الصحيح لعدم تناول اللفظ والمعنى وإن دخل في المنع إلا أنه يقال : لفظ الحمام يعم هذا كله ولا يعرف حمام ليس فيها هذا المكان . وتخلع فيه الثياب هذه هي الحمامات المعروفة والحمامات الموجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم التي يتناولها لفظ الاستثناء . الشياطين يتناول ذلك كله . كما أن صحن المسجد هو تبع للمسجد ويشبه أن يكون الكلام فيها كالكلام في رحبة المسجد فإن الرحبة الخارجة عن سور المسجد غير الرحبة التي هي صحن مكشوف بجانب المسقوف من المسجد المعد للصلاة فهذا الثاني نسبته إليه تشبه نسبة خارج الحمام إلى داخله . المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فيهما
وإذا تبين هذا فنقول : إنما تكون الحجة أن لو علم أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه أمكنهم دخوله فلم يدخلوه وإلا فإذا احتمل مع الإمكان الدخول وعدمه لم يكن فيه حجة . وأما الصحابة فقد روي عن ابن عمر أنه لم يدخلها وكان يقول : هي مما أحدث الناس من رقيق العيش وهذا تنبيه على ما أحدثه الناس من أنواع الفضول التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قاله ابن عمر في أرض الحجاز وبهذا اقتدى أحمد . وهذا ترك لها من [ ص: 305 ] باب الزهد في فضول المباح . والزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة ولا ريب أنه إذا لم يكن دخول الحمام مما ينتفع به في أعمال الآخرة كان تركه زهدا مشروعا .
ولتركه وجه آخر : وهو أن يكون على سبيل الورع والورع المشروع هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة وهذا منه ورع واجب كترك المحرم ومنه ما هو دون ذلك وهو ترك المشتبهات التي لا يعلمها كثير من الناس وغيرها من المكروهات .
ولا ريب أن في دخول الحمام ما قد يكون محرما إذا اشتمل على فعل محرم من كشف العورة أو تعمد النظر إلى عورة الغير أو تمكن الأجنبي من مس عورته أو مس عورة الأجنبي أو ظلم الحمامي بمنع حقه وصب الماء الزائد على ما اقتضته المعاوضة أو المكث فوق ما يقابل العوض المبذول له بدون رضاه أو فعل الفواحش فيها أو الأقوال المحرمة التي تفعل كثيرا فيها أو تفويت الصلوات المكتوبات .
ومنه ما قد يكون مكروها محرما أو غير محرم مثل صب الماء الكثير واللبث الطويل مع المعاوضة عنهما والإسراف في نفقتها والتعرض للمحرم من غير وقوع فيه وغير ذلك . وكذلك التمتع [ ص: 306 ] والترفه بها من غير حاجة إلى ذلك ولا استعانة به على طاعة الله .
وقد يكون دخولها واجبا إذا احتاج إلى طهارة واجبة لا تمكن إلا فيها وقد يكون مستحبا إذا لم يمكن فعل المستحب من الطهارة وغيرها إلا فيها مثل الأغسال المستحبة التي لا يمكن فعلها إلا فيها ومثل نظافة البدن من الأوساخ التي لا تمكن إلا فيها .
فإن نظافة البدن من الأوساخ مستحبة . كما روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وقد ثبت في الصحيح عن إن الله نظيف يحب النظافة عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة } . قال عشر من الفطرة : قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء وعن - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عمار بن ياسر } رواه من الفطرة - أو قال الفطرة - المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط والاستحداد والاختتان والانتضاح . وهذا لفظه . الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه .
[ ص: 307 ] وهذه الخصال عامتها إنما هي للنظافة من الدرن فإن الشارب إذا طال يعلق به الوسخ من الطعام والشراب وغير ذلك . وكذلك الفم إذا تغير ينظفه السواك والمضمضة والاستنشاق ينظفان الفم والأنف وقص الأظفار ينظفها مما يجتمع تحتها من الوسخ ولهذا روي { } يعني الوسخ الذي يحكه بأظفاره من أرفاغه . يدخل أحدكم علي ورفغه تحت أظفاره
وغسل البراجم وهي عقد الأصابع فإن الوسخ يجتمع عليها ما لا يجتمع بين العقد وكذلك الإبط فإنه يخرج من الشعر عرق الإبط وكذلك العانة إذا طالت . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : { } . فهذا وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة . غاية ما يترك الشعر والظفر المأمور بإزالته
وفي صحيح مسلم عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبي هريرة } وهذا في أحد قولي العلماء هو غسل راتب مسنون للنظافة في كل أسبوع وإن لم يشهد الجمعة . بحيث يفعله من لا جمعة عليه . وعن حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام : يغسل رأسه وجسده جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } [ ص: 308 ] رواه على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة أحمد والنسائي . وهذا لفظه وأبو حاتم البستي .
وأما الأحاديث في فمتعددة . وذاك يعلل باجتماع الناس بدخول المسجد وشهود الملائكة ومع العبد ملائكة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الغسل يوم الجمعة آدم } وعن { إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو قيس بن عاصم : أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي . وقال حديث حسن .
وهذان غسلان متنازع في وجوبهما حتى في وجوب السدر . فقد ذكر أبو بكر في " المشتبه " وجوب ذلك وهو خلاف ما حكي عنه في موضع آخر .
ومن المعلوم أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاغتسال بماء وسدر - كما أمر بالسدر في غسل المحرم الذي وقصته ناقته وفي غسل ابنته المتوفاة . وكما أمر الحائض أيضا أن تأخذ ماءها وسدرها - إنما هو لأجل التنظيف فإن السدر مع الماء ينظف . ومن المعلوم أن الاغتسال في الحمام أتم تنظيفا فإنها تحلل الوسخ بهوائها الحار ومائها الحار وما كان أبلغ في تحصيل مقصود الشارع كان أحب إذا لم يعارضه ما يقتضي خلاف ذلك .
[ ص: 309 ] وأيضا فالرجل إذا شعث رأسه واتسخ وقمل وتوسخ بدنه كان ذلك مؤذيا له ومضرا حتى قد جعل الله هذا مما يبيح للمحرم أن يحلق شعره ويفتدي . كما قال : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . وقد ثبت في الصحيح : { كعب بن عجرة لما مر به النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية قبل أن يؤذن لهم في الإحلال والقمل يتهافت على رأسه } وقد تكون إزالة هذا الأذى والضرر في غير الحمام إما متعذرة أو متعسرة . أنها نزلت في
فالحمام لمثل هذا مشروعة مؤكدة وقد يكون به من المرض ما ينفعه فيه الحمام واستعمال مثل ذلك : إما واجب وإما مستحب وإما جائز . فإنها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره .
وأيضا فالحمام قد يحلل عنه من الأبخرة والأوساخ ويوجب له من الراحة ما يستعين به على ما أمر به من الواجبات والمستحبات ودخولها حينئذ بهذه النية يكون من جنس الاستعانة بسائر ما يستريح به كالمنام والطعام . كما قال معاذ لأبي موسى : إني أنام وأقوم وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي . ونظائره في الحديث الصحيح متعددة . كما في حديث أبي الدرداء وعبد الله بن عمرو وغيرهما .
[ ص: 310 ] القسم الثاني : إذا خلت عن محظور في البلاد الباردة أو الحارة فهنا لا ريب أنه لا يحرم بناؤها وقد بنيت الحمامات على عهد الصحابة في الحجاز والعراق على عهد علي وغيره وأقروها . وأحمد لم يقل : إن ذلك حرام ولكن كره ذلك لاشتماله غالبا على مباح ومحظور .
وفي زمن الصحابة كان الناس أتقى لله وأرعى لحدوده من أن يكثر فيها المحظور فلم تكن مكروهة إذ ذاك وإن وقع فيها أحيانا محظور فهذا بمنزلة وقوع المحظور فيما يبنى من الأسواق والدور التي لم ينه عنها وإن كان يمكن الاستغناء عنها .
القسم الثالث : إذا اشتملت على الحاجة والمحظور غالبا : كغالب الحمامات التي في البلاد الباردة فإنه لا بد لأهل تلك الأمصار من الحمام ولا بد في العادة أن يشتمل على محظور فهنا أيضا لا تطلق كراهة بنائها وبيعها وذلك لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم { } . الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يخالطه
إنما يقتضي اتقاء الشبهات التي يشتبه فيها الحلال بالحرام بخلاف [ ص: 311 ] ما إذا اشتبه الواجب أو المستحب بالمحظور ; وقد ذكر ذلك أبو طالب المكي وابن حامد ولهذا سئل : عن الإمام أحمد ؟ فقال : أيدع ذمة أبيه مرهونة وهذا جواب سديد فإن قضاء الدين واجب وترك الواجب سبب للعقاب فلا يترك لما يحتمل أن يكون فيه عقاب ويحتمل أن لا يكون . رجل مات أبوه وعليه دين وله ديون فيها شبهة أيقضيها ولده
ومن المعلوم أن : كغسل الجنابة والحيض والنفاس ومنها ما هو مؤكد قد تنوزع في وجوبه كغسل الجمعة . ومنها ما هو مستحب وهذه الأغسال لا تمكن في البلاد الباردة إلا في حمام . وإن اغتسل في غير حمام خيف عليه الموت ; أو المرض . فلا يجوز الاغتسال في غير حمام حينئذ . من الأغسال ما هو واجب
ولا يجوز ولو قدر أن في ذلك كراهة مثل كون الماء مسخنا بالنجاسة عند من يكرهه مطلقا أو عند من يكرهه إذا لم يكن بين الماء والدخان حاجز حصين كما قد تنازع في ذلك أصحاب الانتقال إلى التيمم مع القدرة على الاغتسال بالماء في الحمام أحمد وغيرهم على القول بكراهة فإنه بكل حال يجب استعماله إذا لم يمكن استعمال غيره ; لأن التطهر من الجنابة بالماء واجب مع القدرة وإن اشتمل على وصف مكروه فإنه في هذه الحال لا يبقى مكروها . المسخن بالنجاسة
[ ص: 312 ] وكذلك كل ما كره استعماله مع الجواز فإنه بالحاجة إليه لطهارة واجبة أو شرب واجب لا يبقى مكروها . ولكن هل يبقى مكروها عند الحاجة إلى استعماله في طهارة مستحبة هذا محل تردد ; لتعارض مفسدة الكراهة ومصلحة الاستحباب . والتحقيق : ترجيح هذا تارة وهذا تارة بحسب رجحان المصلحة تارة والمفسدة أخرى .
وإذا تبين ذلك فقد يقال : بناء الحمام واجب حينئذ حيث يحتاج إليه لأداء الواجب العام .
وقد يقال : إنما يجب الاغتسال فيها عند وجودها ولا يجب تحصيلها ابتداء . كما لا يجب على الرجل حمل الماء معه للطهارة ولا إعداد الماء المسخن فإذا فتحت مدينة وفيها حمام لم يهدم والحال هذه . كما جاءت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين . وكذلك من انتقلت إليه بإرث ونحوه وأما من ملكها باختياره فالكلام في ملكها ابتداء فإنه بمنزلة ابتداء بنائها .
وعلى هذا ; فقد يقال : نحن إنما نكره بناءها ابتداء فأما إذا بناها غيرنا فلا نأمر بهدمها ; لما في ذلك من الفساد وكلام أحمد المتقدم إنما هو في البناء لا في الإبقاء والاستدامة أقوى من الابتداء ; ولهذا كان الإحرام والعدة يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع دوامه وأهل [ ص: 313 ] الذمة يمنعون من إحداث معابدهم ولا يمنعون من إبقائها إذا دخل ذلك في عهدهم .
وإذا كان المكروه الابتداء فالجنب ونحوه إنما يجب عليه استعمال الحمام إذا أمكن فهذا يفيد وجوب دخول الحمام إذا كانت موجودة واحتيج إليها لطهارة واجبة فلم قلتم : إنه يسوغ بناؤها ابتداء لذلك مع اشتماله على محظور ؟ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأما ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب . - وهنا الوجوب عند عدم بنائها منتف فإذا توقفتم في الوجوب فتوقفوا في الإباحة .
القسم الرابع : أن : كما في حمامات تشتمل على المحظور مع إمكان الاستغناء عنها الحجاز والعراق واليمن : في الأزمان المتأخرة فهذا محل نص أحمد وتجنب ابن عمر .