فصل إذا تبين هذا الأصل ظهر به
nindex.php?page=treesubj&link=29434_28823_28829اشتقاق البدع من الكفر فنقول : كما أن الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا
والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله وكان
اليهود والنصارى صاروا كفارا من جهة تبديلهم لما أنزل الله ومن جهة كفرهم بما أنزل على
محمد فكذلك الصابئة صاروا كفارا من جهة تبديلهم لما أنزل الله ومن جهة كفرهم بما أنزل الله على
محمد وإن كانوا منافقين كما قد ينافق اليهودي والنصراني . وهؤلاء هم المستأخرون من
اليهود والنصارى والصابئين .
وذلك أن متأخري الصابئين لم يؤمنوا أن لله كلاما أو يتكلم ويقول أو أنه ينزل من عنده كلاما وذكرا على أحد من البشر أو أنه يكلم أحدا من البشر ; بل عندهم لا يوصف الله بصفة ثبوتية لا يقولون : إن له علما ولا محبة ولا رحمة وينكرون أن يكون
[ ص: 20 ] الله اتخذ
إبراهيم خليلا أو كلم
موسى تكليما وإنما يوصف عندهم بالسلب والنفي مثل قولهم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا داخل العالم ولا خارجه أو بإضافة مثل كونه مبدأ للعالم أو [ العلة ] الأولى أو بصفة مركبة من السلب والإضافة ; مثل كونه عاقلا ومعقولا وعقلا .
وعندهم أن الله لا يخص
موسى بالتكليم دون غيره ولا يخص
محمدا بإرسال دون غيره فإنهم لا يثبتون له علما مفصلا للمعلومات فضلا عن إرادة تفصيلية ; بل يثبتون - إذا أثبتوا - له علما جمليا كليا وغاية جملية كلية ومن أثبت النبوة منهم قال : إنها فيض تفيض على نفس النبي من جنس ما يفيض على سائر النفوس ; لكن استعداد النبي صلى الله عليه وسلم أكمل بحيث يعلم ما لا يعلمه غيره ويسمع ما لا يسمع غيره ويبصر ما لا يبصر غيره وتقدر نفسه على ما لا تقدر عليه نفس غيره .
والكلام الذي تقوله الأنبياء هو كلامهم وقولهم وهؤلاء الذين يقولون عن القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=5594&ayano=74إن هذا إلا قول البشر } فإن " الوحيد " الذي هو
الوليد بن المغيرة كان من جنسهم ; كان من
المشركين الذين هم صابئون أيضا فإن الصابئين
كأهل الكتاب تارة يجعلهم الله قسما من
المشركين وتارة يجعلهم الله قسيما لهم كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6229&ayano=98لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6234&ayano=98إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم } .
وكذلك لما ذكر الملل الست في الحج فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2إن الذين آمنوا والذين هادوا } الآية وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } الآية وهذا بعد قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1274&ayano=9وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1276&ayano=9ولو كره الكافرون } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=691&ayano=5لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } فإذا كان
اليهود والنصارى قد يكونون مشركين فالصابئون أولى وذلك بعد تبديلهم فحيث وصفوا بالشرك فبعد التبديل وحيث جعلوا غير مشركين فلأن أصل دينهم الصحيح ليس فيه شرك فالشرك مبتدع عندهم ; فينبغي التفطن لهذه المعاني .
وكان الوحيد من ذوي الرأي والقياس والتدبير من
العرب وهو معدود من حكمائهم وفلاسفتهم .
ولهذا أخبر الله عنه بمثل حال المتفلسفة في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5587&ayano=74إنه فكر وقدر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5588&ayano=74فقتل كيف قدر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5589&ayano=74ثم قتل كيف قدر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5590&ayano=74ثم نظر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5591&ayano=74ثم عبس وبسر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5592&ayano=74ثم أدبر واستكبر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5593&ayano=74فقال إن هذا إلا سحر يؤثر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5594&ayano=74إن هذا إلا قول البشر }
[ ص: 22 ] ثم إن هؤلاء فيما تقوله الأنبياء حيارى متهوكون ; فإنه بهرهم نور النبوة ولم تقع على أصولهم الفاسدة فصاروا على " أنحاء " : منهم من لا يؤمن بكثير مما تقوله الأنبياء والمرسلون ; بل يعرض عنه أو يشك فيه أو يكذب به ومنهم من يقول : يجوز الكذب لمصلحة راجحة والأنبياء فعلوا ذلك ومنهم من يقول : يجوز هذا لصالح العامة دون الخاصة وأمثلهم من يقول : بل هذه تخيلات وأمثلة مضروبة لتقريب الحقائق إلى قلوب العامة وهذه طريقة
الفارابي nindex.php?page=showalam&ids=13251وابن سينا ; لكن
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا أقرب إلى الإيمان من بعض الوجوه وإن لم يكن مؤمنا .
فمن أدركته رسالة
محمد صلى الله عليه وسلم وبهرته براهينها وأنوارها ورأى ما فيها من أصناف العلوم النافعة والأعمال الصالحة - حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا : اتفق فلاسفة العالم على أنه لم يطرق العالم ناموس أفضل من هذا الناموس - فلا بد أن يتأول نصوص الكتاب والسنة على عادة إخوانه في تحريف الكلم عن مواضعه فيحرفون ما أخبرت به الرسل عن كلام الله ; تحريفا يصيرون به كفارا ببعض تأويل الكتاب في بعض صفات تنزيله .
فلما رأوا أن الرسل سمت هذا الكلام كلام الله وأخبرت أنه نزلت به ملائكة الله مثل الروح الأمين
جبريل أطلقت هذه
[ ص: 23 ] العبارة في الظاهر وكفرت بمعناها في الباطن وردوها إلى أصلهم أصل الصابئين وصاروا منافقين في المسلمين وفي غيرهم من أهل الملل .
فيقولون : هذا القرآن كلام الله وهذا الذي جاءت به الرسل كلام الله ولكن المعنى أنه فاض على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من العقل الفعال وربما قالوا إن العقل هو
جبريل الذي ليس على الغيب بضنين أي بخيل ; لأنه فياض . ويقولون إن الله كلم
موسى من سماء عقله وإن أهل الرياضة والصفا يصلون إلى أن يسمعوا ما سمعه
موسى كما سمعه
موسى .
وقد ضل بكلامه كثير من المشهورين مثل
أبي حامد الغزالي ذكر هذا المعنى في بعض كتبه وصنفوا " رسائل إخوان الصفا " وغيرها وجمعوا فيها على زعمهم بين مقالات الصابئة المتأخرين التي هي الفلسفة المبتدعة وبين ما جاءت به الرسل عن الله فأتوا بما زعموا أنه معقول ولا دليل على كثير منه وربما ذكروا أنه منقول . وفيه من الكذب والتحريف أمر عظيم وإنما يضلون به كثيرا بما فيه من الأمور الطبيعية والرياضية التي لا تعلق لها بأمر النبوات والرسالة لا بنفي ولا بإثبات ولكن ينتفع بها في مصالح الدنيا : كالصناعات من الحراثة والحياكة والبناية والخياطة ونحو ذلك .
[ ص: 24 ] فإذا عرف أن حقيقة قول هؤلاء المشركية الصابئة أن القرآن قول البشر كغيره لكنه أفضل من غيره كما أن بعض البشر أفضل من بعض وأنه فاض على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من المحل الأعلى كما تفيض سائر العلوم والمعارف على نفوس أهلها فاعلم أن هذا القول كثر في كثير من المتأخرين المظهرين للإسلام وهم منافقون وزنادقة وإن ادعوا كمال المعارف من المتفلسفة والمتكلمة والمتصوفة والمتفقهين حتى يقول أحدهم -
كالتلمساني - كلامنا يوصل إلى الله والقرآن يوصل إلى الجنة . وقد يقول بعضهم -
كابن عربي - إن الولي يأخذ من حيث ما يأخذ الملك الذي يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ويقول كثير منهم إن القرآن للعامة وكلامنا للخاصة .
فهؤلاء جعلوا القرآن عضين وضربوا له الأمثال ; مثل ما فعل المشركون قبلهم كما فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإن هؤلاء منهم
nindex.php?page=treesubj&link=29464من يفضل الولي الكامل والفيلسوف الكامل على النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يفضل بعض الأولياء على زعمه أو بعض
الفلاسفة : - مثل نفسه أو شيخه أو متبوعه - على النبي صلى الله عليه وسلم . وربما قالوا هو أفضل من وجه والنبي أفضل من وجه فلهم من الإلحاد والافتراء في رسل الله نظير ما لهم من الإلحاد والافتراء في رسالات الله فيقيسون الكلام الذي بلغته الرسل عن الله بكلامهم ويقيسون رسل الله بأنفسهم . وقد بين الله حال هؤلاء في مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=886&ayano=6وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } إلى أن قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } فذكر الله إنزال الكتابين الذين لم ينزل من عند الله كتاب أهدى منهما - التوراة والقرآن - كما جمع بينهما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3328&ayano=28قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3329&ayano=28قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين } وكذلك الجن لما استمعت القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=4586&ayano=46قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } الآية . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4566&ayano=46قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن } ولهذا قال
النجاشي لما سمع القرآن : إن هذا والذي جاء به
موسى ليخرج من مشكاة واحدة .
ثم ذكر تعالى حال الكذاب والمتنبئ . فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } فجمع في هذا بين من أضاف ما يفتريه إلى الله وبين من يزعم أنه يوحى إليه ولا يعين من أوحاه فإن
nindex.php?page=treesubj&link=23639الذي يدعي الوحي لا يخرج عن هذين القسمين .
ويدخل في " القسم الثاني " من يري عينيه في المنام ما لا تريا
[ ص: 26 ] ومن يقول : ألقي في قلبي وألهمت ونحو ذلك إذا كان كاذبا .
ويدخل في " القسم الأول " من يقول : قال الله لي أو أمرني الله أو وافقني أو قال لي ونحو ذلك ; بخيالات أو إلهامات يجدها في نفسه ولا يعلم أنها من عند الله بل قد يعلم أنها من الشيطان مثل
مسيلمة الكذاب ونحوه . ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } فهذه حال من زعم أن البشر يمكنهم أن يأتوا بمثل كلام الله أو أن هذا الكلام كلام البشر بفضيلة وقوة من صاحبه فإذا اجتهد المرء أمكن أن يأتي بمثله . وهذا يعم من قال إنه يمكن معارضة القرآن
كابن أبي سرح في حال ردته وطائفة متفرقين من الناس ويعم المتفلسفة الصابئة المنافقين والكافرين ; ممن يزعم أن رسالة الأنبياء كلام فاض عليهم قد يفيض على غيرهم مثله فيكون قد أنزل مثل ما أنزل الله في دعوى الرسل ; لأن القائل سأنزل مثل ما أنزل الله قد يقوله غير معتقد أن الله أنزل شيئا ; وقد يقوله معتقدا أن الله أنزل شيئا .
فَصْلٌ إذَا تَبَيَّنَ هَذَا الْأَصْلُ ظَهَرَ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29434_28823_28829اشْتِقَاقُ الْبِدَعِ مِنْ الْكُفْرِ فَنَقُولُ : كَمَا أَنَّ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا
وَالنَّصَارَى كَانُوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ لَمْ يُبَدِّلُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا كَفَرُوا بِشَيْءِ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَكَانَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى صَارُوا كُفَّارًا مِنْ جِهَةِ تَبْدِيلِهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَمِنْ جِهَةِ كُفْرِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ فَكَذَلِكَ الصَّابِئَةُ صَارُوا كُفَّارًا مِنْ جِهَةِ تَبْدِيلِهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنْ جِهَةِ كُفْرِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ كَمَا قَدْ يُنَافِقُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُسْتَأْخِرُونَ مِنْ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ .
وَذَلِكَ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الصَّابِئِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ لِلَّهِ كَلَامًا أَوْ يَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ أَوْ أَنَّهُ يُنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ كَلَامًا وَذِكْرًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ أَوْ أَنَّهُ يُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ الْبَشَرِ ; بَلْ عِنْدَهُمْ لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِصِفَةِ ثُبُوتِيَّةٍ لَا يَقُولُونَ : إنَّ لَهُ عِلْمًا وَلَا مَحَبَّةً وَلَا رَحْمَةً وَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 20 ] اللَّهُ اتَّخَذَ
إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا أَوْ كَلَّمَ
مُوسَى تَكْلِيمًا وَإِنَّمَا يُوصَفُ عِنْدَهُمْ بِالسَّلْبِ وَالنَّفْيِ مِثْلِ قَوْلِهِمْ لَيْسَ بِجِسْمِ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ أَوْ بِإِضَافَةِ مِثْلِ كَوْنِهِ مَبْدَأً لِلْعَالَمِ أَوْ [ الْعِلَّةَ ] الْأُولَى أَوْ بِصِفَةِ مُرَكَّبَةٍ مِنْ السَّلْبِ وَالْإِضَافَةِ ; مِثْل كَوْنِهِ عَاقِلًا وَمَعْقُولًا وَعَقْلًا .
وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخُصُّ
مُوسَى بِالتَّكْلِيمِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يَخُصُّ
مُحَمَّدًا بِإِرْسَالِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ عِلْمًا مُفَصَّلًا لِلْمَعْلُومَاتِ فَضْلًا عَنْ إرَادَةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ ; بَلْ يُثْبِتُونَ - إذَا أَثْبَتُوا - لَهُ عِلْمًا جُمَلِيًّا كُلِّيًّا وَغَايَةً جُمَلِيَّةً كُلِّيَّةً وَمَنْ أَثْبَتَ النُّبُوَّةَ مِنْهُمْ قَالَ : إنَّهَا فَيْضٌ تَفِيضُ عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ مِنْ جِنْسِ مَا يَفِيضُ عَلَى سَائِرِ النُّفُوسِ ; لَكِنَّ اسْتِعْدَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَيَسْمَعُ مَا لَا يَسْمَعُ غَيْرُهُ وَيُبْصِرُ مَا لَا يُبْصِرُ غَيْرُهُ وَتَقْدِرُ نَفْسُهُ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ نَفْسُ غَيْرِهِ .
وَالْكَلَامُ الَّذِي تَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ هُوَ كَلَامُهُمْ وَقَوْلُهُمْ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَنْ الْقُرْآنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5594&ayano=74إنْ هَذَا إلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } فَإِنَّ " الْوَحِيدَ " الَّذِي هُوَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ كَانَ مِنْ جِنْسِهِمْ ; كَانَ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ صَابِئُونَ أَيْضًا فَإِنَّ الصَّابِئِينَ
كَأَهْلِ الْكِتَابِ تَارَةً يَجْعَلُهُمْ اللَّهُ قِسْمًا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ وَتَارَةً يَجْعَلُهُمْ اللَّهُ قَسِيمًا لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6229&ayano=98لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6234&ayano=98إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } .
وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْمِلَلَ السِّتَّ فِي الْحَجِّ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } الْآيَةَ وَهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1274&ayano=9وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1276&ayano=9وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=691&ayano=5لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } فَإِذَا كَانَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَدْ يَكُونُونَ مُشْرِكِينَ فَالصَّابِئُونَ أَوْلَى وَذَلِكَ بَعْدَ تَبْدِيلِهِمْ فَحَيْثُ وُصِفُوا بِالشِّرْكِ فَبَعْدَ التَّبْدِيلِ وَحَيْثُ جُعِلُوا غَيْرَ مُشْرِكِينَ فَلِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ الصَّحِيحِ لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ فَالشِّرْكُ مُبْتَدَعٌ عِنْدَهُمْ ; فَيَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لِهَذِهِ الْمَعَانِي .
وَكَانَ الْوَحِيدُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ
الْعَرَبِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ حُكَمَائِهِمْ وَفَلَاسِفَتِهِمْ .
وَلِهَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَالِ الْمُتَفَلْسِفَةِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5587&ayano=74إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5588&ayano=74فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5589&ayano=74ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5590&ayano=74ثُمَّ نَظَرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5591&ayano=74ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5592&ayano=74ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5593&ayano=74فَقَالَ إنْ هَذَا إلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5594&ayano=74إنْ هَذَا إلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }
[ ص: 22 ] ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ فِيمَا تَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ حَيَارَى مُتَهَوِّكُونَ ; فَإِنَّهُ بَهَرَهُمْ نُورُ النُّبُوَّةِ وَلَمْ تَقَعْ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ فَصَارُوا عَلَى " أَنْحَاءَ " : مِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِكَثِيرِ مِمَّا تَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ ; بَلْ يُعْرِضُ عَنْهُ أَوْ يَشُكُّ فِيهِ أَوْ يُكَذِّبُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَجُوزُ الْكَذِبُ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ وَالْأَنْبِيَاءُ فَعَلُوا ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَجُوزُ هَذَا لِصَالِحِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ وَأَمْثَلُهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ هَذِهِ تَخَيُّلَاتٌ وَأَمْثِلَةٌ مَضْرُوبَةٌ لِتَقْرِيبِ الْحَقَائِقِ إلَى قُلُوبِ الْعَامَّةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ
الْفَارَابِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13251وَابْنِ سِينَا ; لَكِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنُ سِينَا أَقْرَبُ إلَى الْإِيمَانِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا .
فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ رِسَالَةُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَهَرَتْهُ بَرَاهِينُهَا وَأَنْوَارُهَا وَرَأَى مَا فِيهَا مِنْ أَصْنَافِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ - حَتَّى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنُ سِينَا : اتَّفَقَ فَلَاسِفَةُ الْعَالَمِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْرُقْ الْعَالَمَ نَامُوسٌ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا النَّامُوسِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَوَّلَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى عَادَةِ إخْوَانِهِ فِي تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَيُحَرِّفُونَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ ; تَحْرِيفًا يَصِيرُونَ بِهِ كُفَّارًا بِبَعْضِ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ صِفَاتِ تَنْزِيلِهِ .
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الرُّسُلَ سَمَّتْ هَذَا الْكَلَامَ كَلَامَ اللَّهِ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ نَزَلَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ مِثْلُ الرُّوحِ الْأَمِينِ
جِبْرِيلُ أَطْلَقَتْ هَذِهِ
[ ص: 23 ] الْعِبَارَةَ فِي الظَّاهِرِ وَكَفَرَتْ بِمَعْنَاهَا فِي الْبَاطِنِ وَرَدُّوهَا إلَى أَصْلِهِمْ أَصْلِ الصَّابِئِينَ وَصَارُوا مُنَافِقِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ .
فَيَقُولُونَ : هَذَا الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ فَاضَ عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ وَرُبَّمَا قَالُوا إنَّ الْعَقْلَ هُوَ
جِبْرِيلُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينِ أَيْ بَخِيلٍ ; لِأَنَّهُ فَيَّاضٌ . وَيَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ
مُوسَى مِنْ سَمَاءِ عَقْلِهِ وَإِنَّ أَهْلَ الرِّيَاضَةِ وَالصَّفَا يَصِلُونَ إلَى أَنْ يَسْمَعُوا مَا سَمِعَهُ
مُوسَى كَمَا سَمِعَهُ
مُوسَى .
وَقَدْ ضَلَّ بِكَلَامِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشْهُورِينَ مِثْلُ
أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَصَنَّفُوا " رَسَائِلَ إخْوَانِ الصَّفَا " وَغَيْرِهَا وَجَمَعُوا فِيهَا عَلَى زَعْمِهِمْ بَيْنَ مَقَالَاتِ الصَّابِئَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّتِي هِيَ الْفَلْسَفَةُ الْمُبْتَدَعَةُ وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ فَأَتَوْا بِمَا زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْقُولٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ وَرُبَّمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ مَنْقُولٌ . وَفِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَإِنَّمَا يُضِلُّونَ بِهِ كَثِيرًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالرِّيَاضِيَّةِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِأَمْرِ النُّبُوَّاتِ وَالرِّسَالَةِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتِ وَلَكِنْ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا : كَالصِّنَاعَاتِ مِنْ الْحِرَاثَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْبِنَايَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
[ ص: 24 ] فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ المشركية الصَّابِئَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ قَوْلُ الْبَشَرِ كَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَأَنَّهُ فَاضَ عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَحَلِّ الْأَعْلَى كَمَا تَفِيضُ سَائِرُ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ عَلَى نُفُوسِ أَهْلِهَا فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَثُرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ وَهُمْ مُنَافِقُونَ وَزَنَادِقَةٌ وَإِنْ ادَّعَوْا كَمَالَ الْمَعَارِفِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ والمتفقهين حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمْ -
كالتلمساني - كَلَامُنَا يُوصِلُ إلَى اللَّهِ وَالْقُرْآنُ يُوصِلُ إلَى الْجَنَّةِ . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ -
كَابْنِ عَرَبِيٍّ - إنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ مَا يَأْخُذُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ لِلْعَامَّةِ وَكَلَامُنَا لِلْخَاصَّةِ .
فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وَضَرَبُوا لَهُ الْأَمْثَالَ ; مِثْلُ مَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ قَبْلَهُمْ كَمَا فَعَلُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29464مَنْ يُفَضِّلُ الْوَلِيَّ الْكَامِلَ وَالْفَيْلَسُوفَ الْكَامِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى زَعْمِهِ أَوْ بَعْضَ
الْفَلَاسِفَةِ : - مِثْلَ نَفْسِهِ أَوْ شَيْخِهِ أَوْ مَتْبُوعِهِ - عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرُبَّمَا قَالُوا هُوَ أَفْضَلُ مَنْ وَجْهٍ وَالنَّبِيُّ أَفْضَلُ مِنْ وَجْهٍ فَلَهُمْ مِنْ الْإِلْحَادِ وَالِافْتِرَاءِ فِي رُسُلِ اللَّهِ نَظِيرُ مَا لَهُمْ مِنْ الْإِلْحَادِ وَالِافْتِرَاءِ فِي رِسَالَاتِ اللَّهِ فَيَقِيسُونَ الْكَلَامَ الَّذِي بَلَّغَتْهُ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ بِكَلَامِهِمْ وَيَقِيسُونَ رُسُلَ اللَّهِ بِأَنْفُسِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حَالَ هَؤُلَاءِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=886&ayano=6وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } إلَى أَنْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فَذَكَرَ اللَّهُ إنْزَالَ الْكِتَابَيْنِ الذين لَمْ يَنْزِلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَابٌ أَهْدَى مِنْهُمَا - التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ - كَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3328&ayano=28قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3329&ayano=28قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَكَذَلِكَ الْجِنُّ لَمَّا اسْتَمَعَتْ الْقُرْآنَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4586&ayano=46قَالُوا يَا قَوْمَنَا إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4566&ayano=46قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ } وَلِهَذَا قَالَ
النَّجَاشِيُّ لَمَّا سَمِعَ الْقُرْآنَ : إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ
مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ .
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْكَذَّابِ وَالْمُتَنَبِّئِ . فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ مَنْ أَضَافَ مَا يَفْتَرِيهِ إلَى اللَّهِ وَبَيْنَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ مَنْ أَوْحَاهُ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23639الَّذِي يَدَّعِي الْوَحْيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ .
وَيَدْخُلُ فِي " الْقِسْمِ الثَّانِي " مَنْ يُرِي عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَا تَرَيَا
[ ص: 26 ] وَمَنْ يَقُولُ : أُلْقِيَ فِي قَلْبِي وَأُلْهِمْت وَنَحْوَ ذَلِكَ إذَا كَانَ كَاذِبًا .
وَيَدْخُلُ فِي " الْقِسْمِ الْأَوَّلِ " مَنْ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ لِي أَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ أَوْ وَافَقَنِي أَوْ قَالَ لِي وَنَحْوَ ذَلِكَ ; بِخَيَالَاتِ أَوْ إلْهَامَاتٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بَلْ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ مِثْلُ
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَنَحْوِهِ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=888&ayano=6وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فَهَذِهِ حَالُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَشَرَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَلَامُ الْبَشَرِ بِفَضِيلَةِ وَقُوَّةٍ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِذَا اجْتَهَدَ الْمَرْءُ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ . وَهَذَا يَعُمُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ مُعَارَضَةُ الْقُرْآنِ
كَابْنِ أَبِي سَرْحٍ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَطَائِفَةٍ مُتَفَرِّقِينَ مِنْ النَّاسِ وَيَعُمُّ الْمُتَفَلْسِفَةَ الصَّابِئَةَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ ; مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ رِسَالَةَ الْأَنْبِيَاءِ كَلَامٌ فَاضَ عَلَيْهِمْ قَدْ يَفِيضُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِثْلُهُ فَيَكُونُ قَدْ أَنْزَلَ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي دَعْوَى الرُّسُلِ ; لِأَنَّ الْقَائِلَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ يَقُولُهُ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ شَيْئًا ; وَقَدْ يَقُولُهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ شَيْئًا .