فصل و " المقصود " أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين و " أيضا " فالاستغفار والتوبة مما فعله وتركه في حال الجهل قبل أن يعلم أن هذا قبيح من السيئات وقبل أن يرسل إليه رسول وقبل أن تقوم عليه الحجة فإنه سبحانه قال : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } .
وقد قال طائفة من أهل الكلام والرأي : إن هذا في الواجبات الشرعية غير العقلية .
كما يقوله من يقوله من المعتزلة وغيرهم : من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم : مثل وغيره على أن الآية عامة : لا يعذب الله أحدا إلا بعد رسول . أبي الخطاب
[ ص: 676 ] وفيهما دليل على أنه لا يعذب إلا بذنب خلافا لما يقوله " المجبرة " أتباع جهم : أنه تعالى يعذب بلا ذنب وقد تبعه طائفة تنسب إلى السنة : كالأشعري وغيره وهو قول وغيره وقالوا : إن الله يجوز أن يعذب الأطفال في الآخرة عذابا لا نهاية له من غير ذنب فعلوه وهؤلاء يحتجون بالآية على إبطال قول من يقول : إن العقل يوجب عذاب من لم يفعل والآية حجة عليهم أيضا حيث يجوزون العذاب بلا ذنب فهي حجة على الطائفتين . القاضي أبي يعلى
ولها نظائر في القرآن كقوله : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا } .
وقوله تعالى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } .
وقوله : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } { قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير } .
وما فعلوه قبل مجيء الرسل كان سيئا وقبيحا وشرا ; لكن لا تقوم عليهم الحجة إلا بالرسول .
هذا قول الجمهور .
وقيل : إنه لا يكون قبيحا إلا بالنهي وهو قول من لا يثبت حسنا ولا قبيحا إلا بالأمر والنهي .
كقول جهم والأشعري ومن تابعه من المنتسبين إلى السنة .
وأصحاب مالك والشافعي وأحمد : كالقاضي أبي يعلى وأبي الوليد الباجي وأبي المعالي الجويني وغيرهم والجمهور من السلف والخلف على أن ما كانوا فيه قبل [ ص: 677 ] مجيء الرسول من الشرك والجاهلية شيئا قبيحا وكان شرا .
لكن لا يستحقون العذاب إلا بعد مجيء الرسول ; ولهذا كان للناس في الشرك والظلم والكذب والفواحش ونحو ذلك " ثلاثة أقوال " : قيل : إن قبحهما معلوم بالعقل وأنهم يستحقون العذاب على ذلك في الآخرة وإن لم يأتهم الرسول كما يقوله المعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وحكوه عن أبي حنيفة نفسه وهو قول وغيره . أبي الخطاب
و " قيل " : لا قبح ولا حسن ولا شر فيهما قبل الخطاب وإنما . القبيح ما قيل فيه لا تفعل ; والحسن ما قيل فيه افعل أو ما أذن في فعله
كما تقوله الأشعرية ومن وافقهم من الطوائف الثلاثة .
وقيل إن ذلك سيء وشر وقبيح قبل مجيء الرسول ; لكن . العقوبة إنما تستحق بمجيء الرسول
وعلى هذا عامة السلف وأكثر المسلمين وعليه يدل الكتاب والسنة .
فإن فيهما بيان أن ما عليه الكفار هو شر وقبيح وسيء قبل الرسل وإن كانوا لا يستحقون العقوبة إلا بالرسول .
وفي الصحيح { حذيفة قال : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر .
قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها } " . أن