الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 612 ] وسئل عن nindex.php?page=treesubj&link=29539رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل ويصلي في بيته ولا يشهد الجماعة وإذا خرج إلى الجمعة يخرج مغطى الوجه ثم إنه يخترع العياط من غير سبب وتجتمع عنده الرجال والنساء .
فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن لا يعبد بترك الجمعة والجماعة بل يعبد بفعل الجمعة والجماعة ومن جعل الانقطاع عن ذلك دينا لم يكن على دين المسلمين بل يكون من جنس الرهبان الذين يتخلون بالصوامع والديارات والواحد من هؤلاء قد يحصل له بسبب الرياضة أو الشياطين - بتقريبه إليهم أو غير ذلك - نوع كشف وذلك لا يفيده ; بل هو كافر بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أمر الخلق أن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئا [ ص: 613 ] ويعبدوه بما شرع وأمر أن لا يعبدوه بغير ذلك .
فالسالك طريق الزهادة والعبادة إذا كان متبعا للشريعة في الظاهر وقصد الرياء والسمعة وتعظيم الناس له كان عمله باطلا لا يقبله الله .
كما ثبت في الصحيح أن الله يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=87350أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء .
وهو كله للذي أشرك } وفي الصحيح عنه أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=601320من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به } " .
وإن كان خالصا في نيته لكنه يتعبد بغير العبادات المشروعة : مثل الذي يصمت دائما أو يقوم في الشمس أو على السطح دائما أو يتعرى من الثياب دائما ويلازم لبس الصوف أو لبس الليف ونحوه أو يغطي وجهه أو يمتنع من أكل الخبز أو اللحم أو شرب الماء ونحو ذلك - كانت هذه العبادات باطلة ومردودة كما ثبت في الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35339من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } " .
وفي رواية : { nindex.php?page=hadith&LINKID=601321من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وفي صحيح البخاري عن ابن عباس " { nindex.php?page=hadith&LINKID=601322أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا أبو إسرائيل نذر الصمت والقيام والبروز [ ص: 614 ] للشمس مع الصوم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصوم وحده } لأنه عبادة يحبها الله تعالى [ وما عداه ليس بعبادة ] وإن ظنها الظان تقربه إلى الله تعالى .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته : { nindex.php?page=hadith&LINKID=68535إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } .
وثبت عنه في الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=601323أن قوما من أصحابه قال أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر : أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الآخر : أما أنا فلا أتزوج النساء وقال الآخر : أما أنا فلا آكل اللحم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يقول أحدهم : كيت وكيت لكني أصوم وأفطر وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني } " .
فإذا كان هذا فيما هو جنسه عبادة ; فإن الصوم والصلاة جنسهما عبادة وترك اللحم والتزويج جائز لكن لما خرج في ذلك من السنة فالتزم القدر الزائد على المشروع والتزم هذا ترك المباح كما يفعل الرهبان تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك حيث رغب عن سنته إلى خلافها وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=3694لا رهبانية في الإسلام } " فكيف بمن يرغب عما هو من أعظم شعائر الإسلام وهو الصلاة في الجمعة والجماعات .
وقد روي عن ابن عباس أنهم سألوه غير مرة : عمن nindex.php?page=treesubj&link=29539يصوم [ ص: 615 ] النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة .
فقال : " هو في النار " .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=46191لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=601324من nindex.php?page=treesubj&link=29539_905ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه } وفي الصحيح والسنن : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=601325إن أعمى قال : يا رسول الله إن لي قائدا لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال : هل تسمع النداء ؟ قال : نعم قال : فأجب .
وفي رواية قال : لا أجد لك رخصة } .
و " الجمعة " فريضة باتفاق الأئمة .
و " الجماعة " واجبة أيضا عند كثير من العلماء بل عند أكثر السلف وهل هي شرط في صحة الصلاة على قولين : أقواهما كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=69211من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له } .
وعند طائفة من العلماء : أنها واجبة على الكفاية .
و " أحد الأقوال " أنها سنة مؤكدة ولا نزاع بين العلماء أن nindex.php?page=treesubj&link=23459صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسا وعشرين ضعفا [ ص: 616 ] كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا نزاع بينهم أن nindex.php?page=treesubj&link=29539_28823من جعل صلاته وحده أفضل من صلاته في جماعة فإنه ضال مبتدع مخالف لدين المسلمين .
وهذه البدع يذم أصحابها ويعرف أن الله لا يتقبلها وإن كان قصدهم بها العبادة كما أنه لا يقبل عبادة الرهبان ونحوهم ممن يجتهدون في الزهد والعبادة لأنهم لم يعبدوه بما شرع ; بل ببدعة ابتدعوها كما قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=5159&ayano=57ورهبانية ابتدعوها } فإن المتعبد بهذه البدع قصده أن يعظم ويزار وهذا عمله ليس خالصا لله ولا صوابا على السنة ; بل هو كما يقال : زغل وناقص بمنزلة لحم خنزير ميت ; حرام من وجهين .
والواجب على كل مسلم التزام عبادة الله وحده لا شريك له وطاعة رسوله والأمر بذلك لكل أحد والنهي عن ضد ذلك لكل أحد والإنكار على من يخرج عن ذلك ولو طار في الهواء ومشى على الماء وليس تحت أديم السماء أحد يقر على خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إن كان مقرا بالإسلام ألزمه بطاعة الرسول واتباع سنته الواجبة وشريعته الهادية وإن كان غير مقر بالإسلام كان كافرا ولو كان له من الزهد والرهبان ماذا عسى أن يكون .
[ ص: 617 ] والكافر إن كان من أهل الذمة فله حكم أمثاله وإن كان من أهل الحرب فله حكم أمثاله ويجب الإنكار على هذا المبتدع وأمثاله بحسن قصد بحيث يكون المقصود طاعة الله ورسوله ; لا اتباع هوى ولا منافسة ولا غير ذلك .
فالمقصود أن يكون الدين كله لله ولا دين إلا ما شرعه الله تعالى على ألسن رسله .
وفي الصحيحين { nindex.php?page=hadith&LINKID=601326أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء .
فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } " فيكون المقصود علو كلمة الله وظهور دين الله .
وأن يعلم المسلمون كلهم أن ما عليه المبتدعون المراءون ليس من الدين ولا من فعل عباد الله الصالحين ; بل من فعل أهل الجهل والضلال والإشراك بالله تعالى الذين يخرجون عن توحيده وإخلاص الدين له وعن طاعة رسله .
و " أصل الإسلام " : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فمن طلب بعباداته الرياء والسمعة فلم يحقق شهادة أن لا إله إلا الله [ ص: 618 ] ومن خرج عما أمره به الرسول من الشريعة وتعبد بالبدعة فلم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله .
وإنما يحقق هذين " الأصلين " من لم يعبد إلا الله ولم يخرج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بلغها عن الله فإنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=601327تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك } " وقال : " { ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد حدثتكم به ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به } " وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=601329ابن مسعود : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ : { nindex.php?page=tafseer&surano=948&ayano=6وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } } .
فالعبادات والزهادات والمقالات والتورعات الخارجة عن سبيل الله - وهو الصراط المستقيم : الذي أمرنا الله أن نسأله هدايته وهو ما دل عليه السنة - هي سبل الشيطان ولو كان لأحدهم من الخوارق ما كان فليس أحدهم بأعظم من مقدمهم الدجال الذي يقول للسماء : أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت وللخربة أظهري كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة .
وفي صحيح البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11251من عادى لي وليا } " الحديث .
فبين سبحانه أنه ما تقرب العبد إلى الله بمثل أداء ما افترض عليه .
والتقرب بالواجبات فقط طريق المقتصدين أصحاب اليمين ثم التقرب بعد ذلك بما أحبه الله من النوافل هو طريق السابقين المقربين والمحبوبات هي ما أمر الله به ورسوله : أمر إيجاب أو أمر استحباب دون ما استحبه الرجل برأيه وهواه والله سبحانه وتعالى أعلم .