[ ص: 3524 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[ 21 ] وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا يخبر تعالى عن لطفه بيوسف، إذ يسر له من اشتراه في مصر، فاعتنى به، وأوصى أهله، وتوسم فيه الخير والصلاح. ومعنى أكرمي مثواه اجعلي مقامه حسنا مرضيا. و (المثوى) محل الثواء، وهو الإقامة.
قال الشهاب: وإكرام مثواه كناية عن إكرامه على أبلغ وجه وأتمه ; لأن من أكرم المحل بإحسان الأسرة، واتخاذ الفراش ونحوه، فقد أكرم ضيفه بسائر ما يكرم به. أو (المثوى) مقحم. كما يقال: المقام السامي.
روي أن القافلة لما نزلت مصر اشتراه منهم رئيس الشرط عند ملك مصر، فأقام في بيت سيده، والعناية الربانية تحفه، والنجاح يحوطه، فكان يرى سيده أن كل ما يأتي به ينجحه الله تعالى على يده، فنال حظوة لديه، وأقامه قيما على كل ما يملكه، وضاعف تعالى البركة في زرعه وماله وحوزته.
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث أي كما جعلنا له مثوى كريما في منزل العزيز وقلبه، جعلنا له تصرفا بالأمر والنهي، ومكانة رفيعة في أرض مصر، ووجاهة في أهلها، ومحبة في قلوبهم، ليكون عاقبة ذلك تعليمه تأويل الرؤيا التي ستقع من الملك، وتفضيبيوسف إلى الرياسة العظمى.
والله غالب على أمره أي لا يمنع عما يشاء، ولا ينازع فيما يريد. أو على أمر يوسف، أريد به من الفتنة ما أريد غير مرة، فلم يكن إلا ما أراد الله له من العاقبة الحميدة.
[ ص: 3525 ] ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي أن الأمر كله بيده، فيأتون ويذرون زعما أن لهم شيئا من الأمر. أو لا يعلمون لطائف صنعه، وخفايا لطفه.