قوله تعالى: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس البيت هاهنا: الكعبة ، والألف واللام تدخل للمعهود ، أو للجنس ، فلما علم المخاطبون أنه لم يرد الجنس; انصرف إلى المعهود ، قال والمثاب والمثابة واحد ، كالمقام والمقامة ، قال الزجاج: والمثابة: المعاد ، من قولك: ثبت إلى كذا ، أي: عدت إليه ، وثاب إليه جسمه بعد العلة: إذا عاد ، فأراد: أن الناس يعودون إليه مرة بعد مرة . ابن قتيبة:
قوله تعالى: (وأمنا) قال يريد أن من أحدث حديثا في غيره ، ثم لجأ إليه; فهو آمن ، ولكن ينبغي لأهل ابن عباس: مكة أن لا يبايعوه ، ولا يطعموه ، ولا يسقوه ، ولا يؤووه ، ولا يكلم حتى يخرج ، فإذا خرج; أقيم عليه الحد . قال وصف القاضي أبو يعلى: البيت بالأمن ، والمراد جميع الحرم ، كما قال: هديا بالغ الكعبة والمراد: الحرم كله لأنه لا يذبح في الكعبة ، ولا في المسجد الحرام ، وهذا على طريق الحكم ، لا على وجه الخبر فقط .
وفي (مقام إبراهيم) ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الحرم كله ، قاله والثاني: ابن عباس . عرفة والمزدلفة والجمار ، قاله وعن عطاء . كالقولين . وقد روي عن مجاهد ابن عباس ، وعطاء ، قالوا: الحج كله ومجاهد ، مقام إبراهيم . والثالث: الحجر ، قاله ، وهو الأصح . سعيد بن جبير قلت: يا رسول الله! لو اتخذنا من عمر بن الخطاب: مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت . قال
[ ص: 142 ] وفي سبب وقوف إبراهيم على الحجر قولان . أحدهما: أنه جاء يطلب ابنه إسماعيل ، فلم يجده ، فقالت له زوجته: انزل ، فأبى ، فقالت: فدعني أغسل رأسك ، فأتته بحجر فوضع رجله عليه ، وهو راكب ، فغسلت شقه ، ثم رفعته وقد غابت رجله فيه ، فوضعته تحت الشق الآخر وغسلته ، فغابت رجله فيه ، فجعله الله من شعاره ، ذكره عن السدي ابن مسعود والثاني: أنه قام على الحجر لبناء وابن عباس . البيت ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، قاله سعيد بن جبير .
قرأ الجمهور ، منهم: ابن كثير ، وأبو عمرو ، ، وعاصم وحمزة ، (واتخذوا) بكسر الخاء; على الأمر . وقرأ والكسائي: نافع ، بفتح الخاء على الخبر . قال وابن عامر ابن زيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أين ترون أن نصلي؟" فقال إلى عمر: المقام ، فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقال أبو علي: وجه فتح الخاء: أنه معطوف على ما أضيف إليه ، كأنه قال: وإذ اتخذوا . ويؤكد الفتح في الخاء أن الذي بعده خبر ، وهو قوله: وعهدنا .
قوله تعالى: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أي: أمرناهما وأوصيناهما . وإسماعيل: اسم أعجمي ، وفيه لغتان: إسماعيل ، وإسماعين . وأنشدوا:
قال جواري الحي لما جينا هذا ورب البيت إسماعينا
قوله تعالى: أن طهرا بيتي قال يريد من عبادة الأوثان والشرك ، وقول الزور . فإن قيل: لم يكن هناك بيت; فما معنى أمرهما بتطهيره؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه كانت هناك أصنام ، فأمرا بإخراجها ، قاله قتادة: والثاني: أن معناه: ابنياه مطهرا ، قاله عكرمة . والعاكفون: المقيمون ، يقال: عكف يعكف ويعكف عكوفا: إذا أقام ، ومنه: السدي . . وقد روى الاعتكاف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ابن عباس البيت: ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين" . "إن الله تعالى ينزل في [ ص: 143 ] كل ليلة ويوم عشرين ومائة رحمة ينزل على هذا