[ ص: 175 ] ولما أنتج هذا أن لهم الأسماء السوأى ولمعبوداتهم أسوأ منها، عطف عليه دفعا لوهم من يتوهم بالحكم بالضلال والذرء لجهنم ما لا يليق، وتنبيها على أن الموجب لدخول جهنم الغفلة عن ذكر الله ودعائه - قوله: ولله أي: وحده الملك الأعلى المحيط بجميع صفات الكمال الأسماء [ولما كان الاسم إذا لحظت فيه المناسبة كان بمعنى الصفة، أنث في قوله]: الحسنى أي: كلها باتصافه دون غيره بصفات الكمال التي كل واحدة منها أحسن شيء وأجمله وتنزهه عن شوائب النقص وسمات الحدث، فكل أفعاله حكمة [و] إنما كان مختصا بذلك لأن الأشياء غيره ممكنة لتغيرها، وكل ممكن محتاج وأدنى ما يحتاج إلى مرجح يرجح وجوده، وبذلك نعلم وجود المرجح ونعلم أن ترجيحه على سبيل الصحة والاختيار لا الوجوب، وإلا لدام العالم بدوامه، وبذلك ثبتت قدرته، وتكون أفعاله محمكة ثبت علمه فثبتت حياته وسمعه وبصره وكلامه وإرادته ووحدانيته، وإلا لوقع التنازع فوقع الخلل، فالعلم بصفاته العلى ليس في درجة واحدة بل مترتبا، وعلم بهذا أن الكمال له لذاته، وأما غيره فكماله به وهو بذاته غرق في بحر الفناء واقع في حضيض النقصان فادعوه أي: فصفوه وسموه واسألوه بها لتنجوا من جهنم وتنالوا كل ما تحمد عاقبته؛ فإن القلب إذا غفل عن ذكر الله أقبل على الدنيا وشهواتها فوقع في نار الحرص وزمهرير الحرمان ولا يزال [ ص: 176 ] في رغبة إلى رغبة حتى لا يبقى له مخلص، وإذا أقبل على الذكر تخلص عن نيران الآفات واستشعر بمعرفة الله حتى تخلص من رق الشهوات فيصير حرا فيسعد بجميع المرادات، وكثرة الأسماء لا تقدح في التوحيد بل تدل على عظيم المسمى.
وذروا أي: اتركوا على حالة ذرية الذين يلحدون أي: يميلون عما حد لهم [بزيادة فيشبهوا أو نقص فيعطلوا] في أسمائه أي: فيطلقونها على غيره بأن يسموه إلها، فيلزمهم أن يطلقوا عليه جميع أوصاف الإله. فقد ألحدوا في البعض بالفعل وفي الباقي باللزوم، أو بأن يسموه بما لم يأذن فيه، وما لم يأذن فيه تارة يكون مأذونا فيه في الجملة كالضار فلا يجوز ذكره إلا مع النافع، وتارة لا، مثل إطلاق الأب عليه والجسم، وكذا كل ما أوهم نقصا، فلم يكن أحسن، ولورود إطلاق بعض اشتقاقاته عليه مثل علم لا يجوز أن يقال لأجله: معلم، وكذا لحبهم لا يجوز لأجله أن يقال: يا خالق الديدان والقردة مثلا، وكذا لا يجوز أن يذكر اسم لا يعرف الذاكر معناه ولو كان الناس يفهمون منه مدحا كما يقول بعض البدو: يا أبيض الوجه! يا أبا المكارم! فإن ذلك كله إلحاد، وهذا الفعل يستعمل مجردا فيقال: لحد في كذا وألحد فيه - بمعنى واحد، وهو العدول عن [ ص: 177 ] الحق والإدخال فيه ما ليس منه - نقله أبو حيان عن ابن السكيت ; وقال الإمام أبو القاسم علي بن جعفر بن القطاع في كتاب الأفعال: لحد الميت لحدا وألحده: شق له القبر، وإلى الشيء وعنه وفي الدين: مال، وقرئ بهما كذلك.
ولما كان كأنه قيل: فما يفعل بمن ألحد؟ وكان المرهب إيقاع الجزاء، لا كونه من معين، قال بانيا للمفعول: سيجزون أي: في الدنيا والآخرة بوعد لا خلف فيه ما كانوا أي: بجبلاتهم يعملون أي: فيفعل بهم من أنواع الإهانة والعقوبة ما يوجب وصفهم بأقبح الأوصاف ضد ما كانوا يسمعونه في الدنيا ممن يدانيهم.