ولما صرحوا بالذي آمنوا به تصريحا منع فرعون أن يدلس معه بما يخيل به على قومه، شرع في تهديدهم على وجه يمكر فيه بقومه ويلبس عليهم إيقافا لهم عن - كما بادر السحرة - إلى وقت ما، فاستأنف الخبر عنه سبحانه بقوله [مصرحا باسمه غير مضمر له كما في غير هذه السورة؛ لأن مقصود السورة الإنذار، وهو أحسن الناس بالمناداة عليه في ذلك المقام، وقصته مسوقة لبيان فسق الأكثر، وهو أفسق أهل ذلك العصر]: المبادرة إلى الإيمان قال فرعون منكرا عليهم [موبخا لهم] بقوله: آمنتم أي: صدقتم به أي: بموسى تصديقا آمنه من رجوعكم [ ص: 31 ] عنه، ومن أخبر أراد الاستفهام، وأوهم فرعون من فهم عنهم من القبط إرادة الإيمان لأجل ما رأوا من دلائل صدق موسى عليه السلام واقتداء بالسحرة [بقوله: قبل أن آذن لكم ليوقفهم عن خطر المخالفة له بما رجاهم فيه من إذنه، فلما ظن أنهم وقفوا خيلهم بما يذهب عنهم ذلك الخاطر أصلا ورأسا بقوله مؤكدا نفيا لما على قوله من لوائح الكذب]: إن هذا لمكر أي: عظيم جدا، وطول الكلام تبيينا لما أرادوا وتنسية لخاطر الإيمان فقال: مكرتموه في المدينة أي: على ميعاد بينكم وبين موسى، وحيلة احتلتموها قبل اجتماعكم، وليس إيمانكم لأن صدقه ظهر لكم; ثم علل بما يتعلق به فكرهم وتشوش قلوبهم فقال: لتخرجوا أي: أنتم وموسى عليه السلام منها أهلها وتسكنوها أنتم وبنو إسرائيل.
ولما استتب له ما أراد من دقيق المكر، شرع في تهديدهم بما يمنع غيرهم وربما ردهم، فقال مسببا عن ذلك: فسوف تعلمون أي: بوعد لا خلف فيه ما أفعل بكم من عذاب لا يحتمل،