الشرط ( السادس : العدالة وهي : ) لغة الاستقامة والاستواء مصدر عدل بضم الدال ، إذ العدل ضد الجور أي الميل . وشرعا : ( استواء أحواله ) أي الشخص ( في دينه ، واعتدال أقواله وأفعاله ، ويعتبر لها ) أي العدالة ( شيئان ) أحدهما : ( الصلاح في الدين ، وهو ) نوعان ( أداء الفرائض ) أي الصلوات الخمس والجمعة . قلت : وما وجب من صوم وحج وزكاة وغيرهم ( برواتبها ) أي ، نقل سنن الصلاة الراتبة أبو طالب الوتر سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم فمن ترك سنة أي دائما من سننه صلى الله عليه وسلم فهو رجل سوء ، ( فلا تقبل ممن داوم على تركها ) أي الرواتب ، فإن تهاونه بها يدل على عدم محافظته على أسباب دينه ، وربما جره التهاون بها إلى التهاون بالفرائض ، وتقبل ممن تركها في بعض الأيام ، .
( و ) النوع الثاني : ( اجتناب المحرم بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن ) على الأصح أي بدوام ( على صغيرة ) ، .
وفي الترغيب بأن لا يكثر منها ولا يصر على واحدة منها . وقد نهى الله عن قبول شهادة القاذف لكون القذف كبيرا فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة . وقال الشيخ تقي الدين : يعتبر العدل في كل زمن بحسبه لئلا تضيع الحقوق ، ، ( إلا ) الكذب ( في شهادة زور و الكذب على نبي ) من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ( و ) الكذب في ( زمن فتن ونحوه ) ( والكذب صغيرة ) فلا ترد الشهادة به إن لم يداوم عليه ( فكبيرة ) قال ككذب على أحد الرعية عند حاكم ظالم : أحمد بخلف المواعيد نقله ويعرف الكذاب عبد الله ، ( لتخليص مسلم من قتل ) . ( ويجب ) الكذب
جزم به في الفروع قال ابن الجوزي : وإن كان المقصود واجبا ( لإصلاح ) بين الناس ( ولحرب ولزوجة فقط ) . ( ويباح ) الكذب
قال ابن الجوزي : وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به . ومن فكذب لا ينبغي أن يفعل نقله جاءه طعام فقال : لا آكله ثم أكله ومن المروذي لم يكتبه ، نقله كتب لغيره كتابا فأملى عليه كذبا . قال في الفروع : وظاهر الكافي العدل من رجح خيره ولم يأت كبيرة ; لأن الصغائر تقع مكفرة أولا فأولا فلا تجتمع ، ( والكبيرة ما فيه حد في الدنيا ) كالزنا وشرب الخمر ( أو ) فيه ( وعيد في الآخرة ) كأكل مال اليتيم والربا وشهادة الزور [ ص: 590 ] وعقوق الوالدين ونحوها ، والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات كالتجسس وسب الناس بغير قذف والنظر المحرم والنبز باللقب أي الدعاء باللقب السوء ، والغيبة والنميمة من الكبائر ( الأثرم بفعل كزان وديوث أو باعتقاد كمقلد في خلق القرآن أو ) في ( نفي الرؤية ) أي : رؤية الله في الآخرة ( أو ) في ( الرفض ) كتكفير الصحابة أو تفسيقهم بتقديم غير فلا تقبل شهادة فاسق أي في الخلافة عليه ( أو ) في ( التجهم ) بتشديد الهاء أي اعتقاد مذهب علي ( ونحوه ) كمقلد في التجسيم وما يعتقده جهم بن صفوان الخوارج والقدرية ونحوهم ، ( ويكفر مجتهدهم ) أي مجتهد القائلين بخلق القرآن ونحوهم ممن يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة ( الداعية ) قال في الفصول في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضية : إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق ، لأن قال : يسمع حديثه ويصلى خلفه . أحمد
قال : وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم ، والصحيح لا كفر ; لأن أجاز الرواية عن أحمد الحرورية والخوارج ، ( ولا ) تقبل أو لا ) أي أو لم يحد لقوله تعالى : { شهادة ( قاذف حد ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } الآية ( حتى يتوب ) لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا } قال " شهد على سعيد بن المسيب المغيرة ثلاثة رجال أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث ، ونكل زياد فجلد الثلاثة وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم . فتاب رجلان فقبل عمر شهادتهما وأبى عمر فلم تقبل شهادته ، " وكان قد عاد مثل النصل من العبادة ، وهذا إذا لم يحقق القاذف قذفه ببينة أو إقرار مقذوف أو لعان إن كان القاذف زوجا ، فإن حققه لم يتعلق بقذفه فسق ولا حد ولا رد شهادة ، ( وتوبته ) أي القاذف ( تكذيب لنفسه ولو ) كان ( صدقا ) فيقول : كذبت فيما قلت لما روى أبو بكرة الزهري عن عن سعيد بن المسيب مرفوعا في قوله تعالى : { عمر إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } قال : " توبته إكذاب نفسه " ولتلويث عرض المقذوف بقذفه فإكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث . قال في الشرح : " والقاذف في الشتم ترد شهادته وروايته حتى يتوب " والشاهد بالزنا إذا لم تكمل البينة تقبل روايته دون شهادته .
( وتوبة غيره ) أي القاذف ( ندم ) بقلبه على ما مضى من ذنبه ( وإقلاع ) بأن يترك فعل الذنب الذي تاب منه ( وعزم أن لا يعود ) إلى [ ص: 591 ] ذلك الذنب الذي تاب منه ، ولا يعتبر مع ذلك إصلاح العمل لقوله تعالى : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ، } ومع وجوب المغفرة يجب أن تترتب الأحكام لزوال المانع منها وهو الفسق ; لأنه لا فسق مع زوال الذنب الذي تاب منه ، ( وإن كان ) فسق الفاسق ( بترك واجب فلا بد ) لصحة توبته ( من فعله ) أي : الواجب الذي تركه ( ويسارع ) وإن كان فسقه بترك حق آدمي كقصاص وحد قذف ، فلا بد من التمكين من نقصه ببذلها للمستحق . ( ويعتبر رد مظلمة ) فسق بترك ردها كمغصوب ونحوه ، فإن عجز نوى رده متى قدر عليه ( أو يستحله ) أي رب المظلمة بأن يطلب أن يحلله ( أو يستمهله ) تائب ( معسر ) أي يطلب المهلة من رب المظلمة ، والتوبة من البدعة الاعتراف بها والرجوع عنها واعتقاد ضد ما كان يعتقده من مخالفة أهل السنة ( ولا تصح ) التوبة ( معلقة ) بشرط في الحال ، ولا عند وجود الشرط ; لأن الندم والعزم فعل القلب ولا يتأتى تعليقه .
وكذا الإقلاع ( ولا يشترط لصحتها ) أي التوبة ( من قذف وغيبة ونحوهما ) كنميمة وشتم ( إعلامه ) أي المقذوف والمغتاب ونحوهما ( والتحلل منه ) قال : إذا قذفه ثم تاب لا ينبغي أن يقول له : قد قذفتك ، بل يستغفر الله ; لأن فيه إيذاء صريحا ، وإذا استحله يأتي بلفظ مبهم لصحة البراءة من المجهول ، ( ومن أخذ بالرخص ) أي تتبعها من المذاهب فعمل بها ( فسق ) نصا ، وذكره أحمد إجماعا ، وذكر ابن عبد البر : غير متأول ولا مقلد ، ولزوم المذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره الأشهر عدمه ، ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل ، وإن قال : ينبغي ، كان جاهلا ضالا ، ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع ، قال الشيخ القاضي تقي الدين : ( ومن أتى فرعا ) فقهيا ( مختلفا فيه كمن تزوج بلا ولي أو ) تزوج ( بنته من زنا أو شرب من نبيذ ما لا يسكره ، أو أخر الحج قادرا ) أي مستطيعا ( إن اعتقد تحريمه ) أي ما فعله مما ذكر ( ردت ) شهادته نصا ; لأنه فعل ما يعتقد تحريمه عمدا ، فوجب أن ترد شهادته كما لو كان مجمعا على تحريمه ، ولعل المراد مع المداومة كما يعلم مما سبق ، ( وإن تأول ) أي فعل ذلك مستندا على حله باجتهاد أو مقلدا [ ص: 592 ] لقائل بحله ، ( فلا ) ترد شهادته ; لأنه اجتهاد سائغ فلا يفسق به من فعله أو قلد فيه .