لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما
(114) أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه.
ثم استثنى تعالى فقال: إلا من أمر بصدقة من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث. "إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة..."
أو معروف وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.
أو إصلاح بين الناس والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على بل وفي الأديان كما قال تعالى: الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله... الآية.
وقال تعالى: والصلح خير والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله. والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة،
كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصوده كما قال تعالى: إن الله لا يصلح عمل المفسدين . فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء.
[ ص: 356 ] ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلهذا ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل. ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير،