فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم
فلا تهنوا أي: لا تضعفوا. وتدعوا إلى السلم أي: ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خورا فإن ذلك إعطاء الدنية، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن على جواب النهي، وقرئ "ولا تدعوا" من ادعى القوم تداعوا نحو: ارتموا الصيد وتراموه ومنه تراءوا الهلال، فإن صيغة التفاعل قد يراد بها صدور الفعل عن المتعدد من غير اعتبار وقوعه عليه ومنه قوله تعالى: عم يتساءلون على أحد الوجهين والفاء لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة، وقوله تعالى: وأنتم الأعلون جملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى: والله معكم فإن كونهم الأعلين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة وكذا توفيته تعالى لأجور الأعمال حسبما يعرب عنه قوله تعالى: ولن يتركم أعمالكم أي: ولن يضيعها من "وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم" فأفردته عنه من الوتر الذي هو الفرد، وعبر عن ترك الإثابة في مقابلة الأعمال بالوتر الذي هو إضاعة شيء معتد به من الأنفس والأموال مع أن الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السنة إبرازا لغاية اللطف بتصوير الثواب بصورة الحق المستحق وتنزيل ترك الإثابة منزلة إضاعة أعظم الحقوق وإتلافها وقد مر في قوله تعالى: فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم .