فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص
فلا تك في مرية أي: في شك، والفاء لترتيب النهي على ما قص من القصص وبين في تضاعيفها من العواقب الدنيوية والأخروية مما يعبد هؤلاء أي: من جهة عبادة هؤلاء المشركين وسوء عاقبتها، أو من حال ما يعبدونه من الأوثان في عدم نفعه لهم، ولما كان مساق النظم الكريم قبيل الشروع في القصص لبيان غاية سوء حال الكفرة، وكمال حسن حال المؤمنين، وقد ضرب لهم مثل فقيل: مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون وقد قص عقيب ذلك من أنباء الأمم السالفة مع رسلهم المبعوثة إليهم ما يتذكر به المتذكر - نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كونه في شك من مصير أمر هؤلاء المشركين في العاجل والآجل، ثم علل ذلك بطريق الاستئناف فقيل: ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم الذين قصت عليك قصصهم من قبل أي: هم وآباؤهم سواء في الشرك، ما يعبدون عبادة إلا كعبادتهم، أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من الأوثان، والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها، أو مثل ما كانوا يعبدونه، فحذف (كان) لدلالة قوله (من قبل) عليه، ولقد بلغك ما لحق بآبائهم، فسيلحقهم مثل ذلك، فإن تماثل الأسباب يقتضي تماثل المسببات وإنا لموفوهم أي: هؤلاء الكفرة نصيبهم أي: حظهم المعين لهم حسب جرائمهم وجرائرهم من العذاب عاجلا وآجلا، كما وفينا آباءهم أنصباءهم المقدرة لهم، أو من الرزق المقسوم لهم، فيكون بيانا لوجه تأخر العذاب عنهم مع تحقق ما يوجبه غير منقوص حال مؤكدة من النصيب، كقوله تعالى: "ثم وليتم مدبرين" وفائدته دفع توهم التجوز، وجعلها مقيدة له لدفع احتمال كونه منقوصا في حد نفسه، مبني على الذهول عن كون العامل هو التوفية، فتأمل.