وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الكلام فيه كالكلام فيما سبق، خلا أنه لم يذكر ههنا أن لهم فيها بهجة وسرورا، كما ذكر في أهل النار من أنه لهم فيها زفير وشهيق؛ لأن المقام مقام التحذير والإنذار إلا ما شاء ربك إن حمل على طريقة التعليق بالمحال فقوله سبحانه: عطاء غير مجذوذ نصب على المصدرية من معنى الجملة؛ لأن قوله تعالى: "ففي الجنة خالدين فيها" يقتضي إعطاء وإنعاما، فكأنه قيل: يعطيهم عطاء، وهو إما اسم مصدر هو الإعطاء، أو مصدر بحذف الزوائد، كقوله تعالى: أنبتكم [ ص: 243 ] من الأرض نباتا وإن حمل على ما أعد الله لعباده الصالحين من النعيم الروحاني - الذي عبر عنه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر - فهو نصب على الحالية من المفعول المقدر للمشيئة، أو تمييز؛ فإن نسبة مشيئة الخروج إلى الله تعالى يحتمل أن تكون على جهة (عطاء مجذوذ) وعلى جهة (عطاء غير مجذوذ) فهو رافع للإبهام عن النسبة، قال ابن زيد: أخبرنا الله تعالى بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: (عطاء غير مجذوذ) ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار، ويجوز أن يتعلق بكلا النعيمين أو بالأول؛ دفعا لما يتوهم من ظاهر الاستثناء من انقطاعه.