قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم
قيل يا نوح اهبط أي: انزل من الفلك، وقرئ بضم الباء بسلام ملتبسا بسلامة من المكاره كائنة منا أو بسلام وتحية منا عليك، كما قال: سلام على نوح في العالمين وبركات عليك أي: خيرات نامية في نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من أنواع الأرزاق، وقرئ (بركة) وهذا إعلان وبشارة من الله تعالى بقبول توبته وخلاصه من الخسران بفيضان أنواع الخيرات عليه في كل [ ص: 215 ] ما يأتي وما يذر وعلى أمم ناشئة ممن معك إلى يوم القيامة متشعبة منهم فـ"من" ابتدائية، والمراد: الأمم المؤمنة المتناسلة ممن معه إلى يوم القيامة وأمم سنمتعهم أي: ومنهم، على أنه خبر حذف لدلالة ما سبق عليه، فإن إيراد الأمم المبارك عليهم المتشعبة منهم نكرة يدل على أن بعض من يتشعب منهم ليسوا على صفتهم، يعني: ليس جميع من تشعب منهم مسلما ومباركا عليه، بل منهم أمم ممتعون في الدنيا معذبون في الآخرة، وعلى هذا لا يكون الكائنون مع نوح - عليه السلام - مسلما ومباركا عليهم صريحا، وإنما يفهم ذلك من كونهم مع نوح - عليه الصلاة والسلام - ومن كون ذرياتهم كذلك بدلالة النص، ويجوز أن تكون من بيانية، أي: وعلى أمم هم الذين معك، وإنما سموا أمما؛ لأنهم أمم متحزبة وجماعات متفرقة، أو لأن جميع الأمم إنما تشعبت منهم، فحينئذ يكون المراد بالأمم المشار إليهم في قوله تعالى: "وأمم سنمتعهم" بعض الأمم المتشعبة منهم، وهي الأمم الكافرة المتناسلة منهم إلى يوم القيامة، ويبقى أمر الأمم المؤمنة الناشئة منهم مبهما غير متعرض له ولا مدلول عليه مع ذلك، ففي دلالة المذكور على خبره المحذوف خفاء؛ لأن (من) المذكورة بيانية والمحذوفة تبعيضية أو ابتدائية، فتأمل.
ثم يمسهم إما في الآخرة، أو في الدنيا أيضا منا عذاب أليم .
عن : دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر، وعن محمد بن كعب القرظي ابن زيد: هبطوا والله عنهم راض، ثم أخرج منهم نسلا منهم من رحم ومنهم من عذب، وقيل: المراد بالأمم الممتعة قوم هود، وصالح، ولوط ، وشعيب - عليهم السلام - وبالعذاب ما نزل بهم.