[ ص: 35 ] الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين
الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا لما كان الوعد السابق متضمنا لإيجاب مقاومة الواحد للعشرة، وثباته لهم - كما نقل عن - أنه كان عليهم أن لا يفروا، ويثبت الواحد للعشرة، وقد ابن جريج بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثين راكبا، فلقي حمزة أبا جهل في ثلاثمائة راكب، فهزمهم، ثقل عليهم ذلك، وضجوا منه بعد مدة، فنسخ، وخفف عنهم بمقاومة الواحد للاثنين، وقيل: كان فيهم قلة في الابتداء، ثم لما كثروا نزل التخفيف، والمراد بالضعف: ضعف البدن، وقيل: ضعف البصيرة - وكانوا متفاوتين في الاهتداء إلى القتال - لا الضعف في الدين، كما قيل: وقرئ (ضعفا) بضم الضاد، وهي لغة فيه كالفقر والفقر، والمكث والمكث، وقيل: الضعف بالفتح ما في الرأي والعقل، وبالضم ما في البدن، وقرئ (ضعفاء) جمع ضعيف، والمراد بعلمه تعالى بضعفهم علمه تعالى به من حيث هو متحقق بالفعل، لا علمه تعالى به مطلقا، كيف لا وهو ثابت في الأزل؟!
وقوله تعالى: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين تفسير للتخفيف، وبيان لكيفيته، وقرئ (تكن) ههنا وفيما سبق بالتاء الفوقانية.
وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله أي: بتيسيره وتسهيله، وهذا القيد معتبر فيما سبق من غلبة المائة المائتين والألف وغلبة العشرين المائتين، كما أن قيد الصبر معتبر ههنا، وإنما ترك ذكره ثقة بما مر، وبقوله تعالى: والله مع الصابرين فإنه اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، والمراد بالمعية معية نصره وتأييده، ولم يتعرض ههنا لحال الكفرة من الخذلان - كما لم يتعرض هناك لحال المؤمنين - مع أن مدار الغلبة في الصورتين مجموع الأمرين - أعني نصر المؤمنين وخذلان الكفرة - اكتفاء بما ذكر في كل مقام عما ترك في المقام الآخر، وما تشعر به كلمة (مع) من متبوعية مدخولها لأصالتهم من حيث إنهم المباشرون للصبر كما مر مرارا.