ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون
قرأ أبو حيوة : "ونبهم" بضم الهاء من غير همز، وهذا ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول، و"الضيف" مصدر وصف به فهو للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، قال النحاس وغيره: التقدير: عن أصحاب ضيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويغني عن هذا أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء، كما فعل في "رهن" ونحوه، والمراد بالضيف هنا الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط وبشروا إبراهيم عليهما السلام-، وقد تقدم قصصهم.
وقوله: "سلاما" مصدر منصوب بفعل مضمر تقديره: سلمنا، أو نسلم سلاما، والسلام هنا التحية، وقوله: "سلاما" حكاية قولهم، فلا يعمل القول فيه، وإنما يعمل إذا كان ما بعده ترجمة عن كلام ليس يحكى بعينه، كما تقول لمن قال: "لا إله إلا الله": قلت حقا، ونحو هذا.
وقوله: إنا منكم وجلون أي: فزعون، وإنما وجل إبراهيم عليه السلام منهم لما قدم إليهم العجل الحنيذ فلم يرهم يأكلون، وكان عندهم العلامة المؤمنة أكل الطعام، وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل والمنزول به.
وقرأ الجمهور: "توجل" مستقبل "وجل"، وقرأ بضم التاء على بناء الفعل للمفعول من "أوجل"، لأن "وجل" لا يتعدى، وكانت هذه البشارة بإسحاق، وذلك [ ص: 299 ] بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم: الحسن الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ليس يقتضي أنهما حينئذ وهبهما، بل قبل الحمد بكثير.
وقرأ الجمهور: "أبشرتموني" بألف استفهام، وقرأ : "بشرتموني" بغير ألف، وقوله: الأعرج على أن مسني الكبر أي: في حالة قد مسني الكبر فيها، وقرأ ابن محيصن "الكبر" بضم الكاف وسكون الباء، وقرأ ، أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة : "تبشرون" بفتح النون التي هي علامة الرفع، والفعل -على هذه القراءة- غير معدى، وقرأ والكسائي "تبشروني" بنون مشددة وياء، وقرأ الحسن البصري: بشد النون دون ياء، وهذه القراءة أدغمت فيها نون العلامة في النون التي هي للمتكلم موطئة للياء، وقرأ ابن كثير : "تبشرون" بكسر النون، وغلط نافع أبو حاتم في هذه القراءة، وقال: إن شاهد الشعر في هذا اضطرار. نافعا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا حمل منه، وتقدير هذه القراءة أنه حذفت النون التي للمتكلم، وكسرت النون التي هي علامة الرفع بحسب الياء، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها، ونحو هذا قول الشاعر -أنشده -: سيبويه
تراه كالثغام يعل مسكا ... يسر الفاليات إذا فليني
[ ص: 300 ] ومنه قول الآخر:
أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق -لا أباك- تخوفيني؟
ومن حذف هذه النون قول الشاعر:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد عبد الله ومصعبا ابني وكان الزبير، عبد الله يكنى أبا خبيب.
وقرأ "فبم تبشرون" بفتح التاء وضم الشين. الحسن
وقول إبراهيم: فبم تبشرون تقرير على جهة التعجب والاستبعاد لكبرهما، أو على جهة الاحتقار وقلة المبالاة بالمسرات لمضي العمر واستيلاء الكبر. قال : عجب من كبره ومن كبر امرأته، وقد تقدم ذكر سنه وقت البشارة. مجاهد
وقولهم: بشرناك بالحق فيه شدة ما، أي: أبشر بما بشرت به ودع غير ذلك، وقرأ جمهور الناس: "القانطين"، والقنوط: أتم اليأس، وقرأ ، يحيى بن وثاب والأعمش ورويت عن وابن مصرف، عمرو: "القنطين". وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر : "ومن يقنط" بفتح النون في كل القرآن. وقرأ وحمزة أبو [ ص: 301 ] عمرو، بكسرها، وكلهم قرأ: "من بعد ما قنطوا" بفتح النون، ورد والكسائي قراءة أهل الحرمين، وأنكر أن يقال: "قنط" بكسر النون، وليس كما قال، لأنهم لا يجمعون إلا على قوي في اللغة مروي عندهم، وهي قراءة فصيحة، يقال: قنط يقنط، وقنط يقنط، مثل: نقم ونقم، وقرأ أبو عبيدة هنا: "يقنط" بكسر النون، وقرأ: "من بعد ما قنطوا" بكسر النون أيضا، فقرأ باللغتين، وقرأ الأعمش الأشهب : "يقنط" بضم النون، وهي قراءة ، الحسن أيضا، وهي لغة والأعمش تميم.