فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون
لما قصد ربه قال: "هذا"؛ فذكر؛ أي: هذا المرئي؛ أو المنير؛ ونحو هذا؛ "فلما أفلت"؛ الشمس؛ لم يبق شيء يمثل لهم به؛ فظهرت حجته؛ وقوي بذلك على منابذتهم؛ والتبري من إشراكهم.
[ ص: 405 ] وقوله: إني بريء مما تشركون ؛ يؤيد قول من قال: النازلة في حال الكبر والتكليف؛ و وجهت وجهي ؛ أي: أقبلت بقصدي؛ وعبادتي؛ وتوحيدي؛ وإيماني؛ وغير ذلك مما يعمه المعنى المعبر عنه بـ "وجهي"؛ و"فطر"؛ معناه: ابتدع في أجرام؛ و"حنيفا"؛ معناه: مستقيما؛ و"الحنف": "الميل"؛ في كلام العرب؛ وأصله في الأشخاص؛ وهو في المعاني مستعار؛ فالمعوج في الأجرام أحنف؛ على الحقيقة؛ أي مائل؛ والمستقيم فيها أحنف؛ على تجوز؛ كأنه مال عن كل جهة إلى القوام.
"وحاجه": "فاعله"؛ من "الحجة"؛ قال: "أتراجعونني في الحجة في توحيد الله تعالى ؟"؛ وقرأ قوم: "أتحاجونني"؛ بإظهار النونين؛ وهو الأصل؛ وقرأ ؛ ابن كثير ؛ وأبو عمرو ؛ وعاصم ؛ وحمزة : "أتحاجوني"؛ بإدغام النون الأولى في الثانية؛ وقرأ والكسائي ؛ نافع : "أتحاجوني"؛ بحذف النون الواحدة؛ فقيل: هي الثانية؛ وقيل: هي الأولى؛ ويدل على ذلك أنها بقيت مكسورة؛ قال وابن عامر : لا يجوز أن تحذف الأولى؛ لأنها للإعراب؛ وإنما حذفت الثانية التي هي توطئة لياء المتكلم؛ كما حذفت في "ليتي"؛ وفي قول الشاعر: أبو علي الفارسي
............... ... يسوء الغاليات إذا فليني
وكسرت - بعد ذلك - الأولى الباقية؛ لمجاورتها للياء.
"وقد هدان"؛ أي: أرشدني إلى معرفته وتوحيده؛ وأمال : "هدان"؛ والإمالة في ذلك حسنة؛ وإذا جازت الإمالة في "غزا"؛ و"دعا" - وهما من ذوات الواو - فهي في "هدان" - التي هي من ذوات الياء - أجوز؛ وأحسن؛ وحكي أن الكفار قالوا الكسائي لإبراهيم - عليه السلام -: خف أن تصيبك آلهتنا ببرص؛ أو داء؛ لإذايتك لها؛ وتنقصك؛ فقال لهم - عليه السلام -: "لست [ ص: 406 ] أخاف الذي تشركون به؛ لأنه لا قدرة له؛ ولا غناء عنده"؛ و"ما"؛ في هذا الموضع بمعنى "الذي"؛ والضمير في "به"؛ يحتمل أن يعود على الله - عز وجل -؛ فيكون - على هذا - في قوله: "تشركون"؛ ضمير عائد على "ما"؛ وتقدير الكلام: "ولا أخاف الأصنام التي تشركونها بالله تعالى في الربوبية"؛ ويحتمل أن يعود الضمير على "ما"؛ فلا يحتاج إلى غيره؛ كأن التقدير: "ما تشركون بسببه".
وقوله تعالى إلا أن يشاء ربي شيئا ؛ استثناء ليس من الأول؛ و"شيئا"؛ منصوب بـ "يشاء"؛ ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضرا؛ استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريده بضر؛ و"علما"؛ نصب على التمييز؛ وهو مصدر بمعنى الفاعل؛ كما تقول العرب: "تصبب زيد عرقا"؛ والمعنى: "تصبب عرق زيد"؛ فكذلك المعنى هنا: وسع علم ربي كل شيء؛ أفلا تتذكرون ؛ توقيف؛ وتنبيه؛ وإظهار لموضع التقصير منهم.