[ ص: 624 ] قوله عز وجل:
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين
المعنى: واذكر يوم يعرض، وهذا العرض هو بالمباشرة، كما تقول: عرضت العود على النار والجاني على السوط، والمعنى: يقال لهم: أذهبتم طيباتكم، وقرأ الجمهور على الخبر، ولذلك حسنت الفاء بعد ذلك، وقرأ ، ابن كثير ، والحسن ، والأعرج ، وأبو جعفر ، ومجاهد ، وقتادة : "آذهبتم" بهمزة مطولة على التوبيخ والتقرير الذي هو في لفظ الاستفهام، وقرأ وابن وثاب : "أأذهبتم" بهمزتين تقريرا أيضا، التوبيخ والتقرير إخبار بالمعنى، ولذلك حسنت الفاء، وإلا فهي لا تحسن في جواب على حد هذه مع الاستفهام المحض. ابن عامر
والطيبات: الملاذ، وهذه الآية وإن كانت في الكفار فهي وازعة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات، ومن ذلك قول رضي الله عنه: "أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام؟ ذلك لباب البر بصغار المعزى، ولكنا رأينا الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا"، ذكر هذا في كلامه مع عمر الربيع بن زياد ، وقال أيضا نحو هذا حين دخل لخالد بن الوليد الشام، فقدم إليه طعام طيب، فقال رضي الله عنه: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال عمر خالد : لهم الجنة، فبكى وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا. وقال عمر رضي الله عنه : اشتريت لحما بدرهم فرآني جابر بن عبد الله ، فقال: أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه فأكله؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية. عمر
وعذاب الهون: العذاب الذي اقترن به هوان، وهو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه، وهذا بين في عذاب الدنيا، فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون، وعذاب المقتول في حرب لا هون معه، فالهون والهوان بمعنى. [ ص: 625 ] ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بذكر هود عليه السلام وقومه عاد على جهة المثال لقريش، وهذه الأخوة هي أخوة القرابة، لأن هودا عليه السلام كان من أشراف القبيلة التي هي عاد.
واختلف الناس في هذه الأحقاف، أين كانت؟ فقال ، ابن عباس : هي جبل والضحاك بالشام، وقيل: كانت بلاد نخيل، وقيل: هي الرمال بين مهرة وعدن، وقال أيضا: بين ابن عباس عمان ومهرة، وقال : هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني، وقال قتادة : هي بين ابن إسحاق حضرموت وعمان، والصحيح من الأقوال أن بلاد عاد كانت في اليمن ولهم إرم ذات العماد، و "الأحقاف" : جمع حقف، وهو الجبل المستطيل والمعوج من الرمل، قال هي الرمال العظام، وكثيرا ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحاري، لأن الريح تصنع ذلك. الخليل:
وقوله تعالى: وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود عليه السلام، لأن قوله تعالى: ألا تعبدوا إلا الله هو من نذارة هود عليه السلام ، و "خلت": معناه: مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها، وفي مصحف رضي الله عنه: "وقد خلت النذر من قبله وبعده"، وروي فيه: "وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده"، والنذر: جمع نذير بناء اسم فاعل. عبد الله
وقولهم: "لتأفكنا" معناه: لتصرفنا، وقولهم: فأتنا بما تعدنا تصميم على التكذيب وتعجيز منهم له في زعمهم.