وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون
هذه مراجعة من الأتباع للرؤساء حين قالوا لهم: إنما كفرتم ببصائر أنفسكم، فقال المستضعفون: بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار، وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما، ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والزمان، كما قالوا: ليل نائم ونهار صائم، وأنشد : سيبويه
فنام ليلي وتجلى همي
[ ص: 189 ] وهذه قراءة الجمهور، وقرأ "بل مكر" منونا "الليل والنهار" بتنوين (مكر) نصبا، وذكر عن قتادة بن دعامة: يحي بن يعمر، وكأن معناها الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام، مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر. و"الند" المثيل والشبيه، والضمير في قوله: "وأسروا" عام جميع من تقدم ذكره من المستضعفين والمستكبرين، و"أسروا" معناه: اعتقدوها في نفوسهم، ومعتقدات النفس كلها سر، لا يعقل غير ذلك، وإنما يظهر ما يصدر عنها من كلام أو قرينة. وقال بعض الناس: "أسروا": أظهروا، وهي من الأضداد، وهذا كلام من لم يعتبر المعنى، أما نفس الندامة فلا تكون إلا مستسرة ضرورة، وأما الظاهر عنها فغيرها، ولم يثبت قط في لغة أن "أسر" من الأضداد.
وقوله تعالى: لما رأوا العذاب أي: وافوه وتيقنوا حصولهم فيه. وباقي الآية بين.