وفديناه بذبح عظيم
107 - وفديناه بذبح ؛ هو ما يذبح؛ وعن - رضي الله عنهما -: "هو الكبش الذي قربه ابن عباس هابيل؛ فقبل منه؛ وكان يرعى في الجنة؛ حتى فدي به إسماعيل"؛ وعنه: "لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة؛ وذبح الناس أبناءهم"؛ عظيم ؛ ضخم الجثة؛ سمين؛ وهي وروي أنه هرب من السنة في الأضاحي؛ إبراهيم عند الجمرة؛ فرماه بسبع حصيات؛ حتى أخذه؛ فبقيت سنة في الرمي؛ وروي أنه لما ذبحه قال جبريل: "الله أكبر الله أكبر"؛ فقال الذبيح: "لا إله إلا الله والله أكبر"؛ فقال إبراهيم: "الله أكبر ولله الحمد"؛ فبقي سنة؛ وقد استشهد - رضي الله عنه - بهذه الآية فيمن أبو حنيفة أنه يلزمه ذبح شاة؛ والأظهر أن الذبيح نذر ذبح ولده إسماعيل؛ وهو قول أبي بكر؛ وابن عباس؛ وابن عمر؛ وجماعة من التابعين - رضي الله عنهم -؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: فأحدهما جده "أنا ابن الذبيحين"؛ إسماعيل؛ والآخر أبوه عبد الله؛ وذلك أن عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح آخر ولده تقربا؛ وكان عبد الله آخرا؛ ففداه بمائة من الإبل؛ ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل؛ إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج؛ وعن وابن الزبير؛ أنه قال: سألت الأصمعي عن الذبيح؛ فقال: يا أبا عمرو بن العلاء أصمعي؛ أين عزب عنك عقلك؟! ومتى كان إسحاق بمكة؟! وإنما كان إسماعيل بمكة؛ وهو الذي بنى البيت مع أبيه؛ والمنحر بمكة؛ وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين - رضي الله عنهم - أنه إسحاق؛ ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف [ ص: 133 ] - عليهما السلام -: "من يعقوب؛ إسرائيل الله؛ ابن إسحاق؛ ذبيح الله؛ ابن إبراهيم؛ خليل الله"؛ وإنما قيل: "وفديناه"؛ وإن كان الفادي إبراهيم - عليه السلام - والله (تعالى) هو المفتدى منه؛ لأنه الآمر بالذبح؛ لأنه (تعالى) وهب له الكبش؛ ليفتدي به؛ وههنا إشكال؛ وهو أنه لا يخلو إما أن يكون ما أتى به إبراهيم - عليه السلام - من بطحه على شقه؛ وإمرار الشفرة على حلقه؛ في حكم الذبح؛ أم لا؛ فإن كان في حكم الذبح؛ فما والفداء هو التخليص من الذبح ببدل؛ وإن لم يكن فما معنى قوله: معنى الفداء؟ قد صدقت الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلا؛ أو بدلا؛ ولم يصح؛ والجواب أنه - عليه السلام - قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح؛ ولكن الله (تعالى) جاء بما منع الشفرة أن تمضي فيه؛ وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم؛ ووهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة في نفس إسماعيل؛ بدلا منه؛ وليس هذا بنسخ منه للحكم؛ كما قال البعض؛ بل ذلك الحكم كان ثابتا؛ إلا أن المحل الذي أضيف إليه لم يحله الحكم على طريق الفداء دون النسخ؛ وكان ذلك ابتلاء؛ ليستقر حكم الأمر عند المخاطب في آخر الحال؛ على أن المبتغى منه في حق الولد أن يصير قربانا بنسبة الحكم إليه مكرما بالفداء الحاصل؛ لمعرة الذبح؛ مبتلى بالصبر؛ والمجاهدة؛ إلى حال المكاشفة؛ وإنما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر؛ لا قبله؛ وقد سمي "فداء"؛ في الكتاب؛ لا "نسخا" .