لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلا ما تسعه قدرتها فضلا ورحمة، أو ما دون مدى طاقتها بحيث يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها كقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وهو يدل على عدم وقوع ولا يدل على امتناعه. التكليف بالمحال لها ما كسبت من خير. وعليها ما اكتسبت من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعاصيها غيرها، وتخصيص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن الاكتساب فيه احتمال والشر تشتهيه النفس وتنجذب إليه فكانت أجد في تحصيله وأعمل بخلاف الخير. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط وقلة مبالاة، أو بأنفسهما إذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك. وإن كان خطأ. فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم تكن عزيمة، لكنه تعالى وعد التجاوز عنه رحمة وفضلا فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة واعتدادا بالنعمة فيه. ويؤيد ذلك مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام « » . رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ربنا ولا تحمل علينا إصرا عبأ ثقيلا يأصر صاحبه، أي يحبسه في مكانه. يريد به التكاليف الشاقة. وقرئ « ولا تحمل » بالتشديد للمبالغة. كما حملته على الذين من قبلنا حملا مثل حملك إياه على من قبلنا، أو مثل الذي حملته إياهم فيكون صفة لإصرا، والمراد به ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس، وقطع موضع النجاسة، وخمسين صلاة في اليوم والليلة، وصرف ربع المال للزكاة. أو ما أصابهم من الشدائد والمحن. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به من البلاء والعقوبة، أو من التكاليف التي لا تفي بها الطاقة البشرية وهو يدل على جواز وإلا لما سئل التخلص منه، والتشديد هاهنا لتعدية [ ص: 167 ] الفعل إلى المفعول الثاني. التكليف بما لا يطاق واعف عنا وامح ذنوبنا. واغفر لنا واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة.
وارحمنا وتعطف بنا وتفضل علينا. أنت مولانا سيدنا. فانصرنا على القوم الكافرين فإن من حق المولى أن ينصر مواليه على الأعداء، أو المراد به عامة الكفرة.
روي أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا بهذه الدعوات قيل له عند كل كلمة: فعلت.
وعنه عليه السلام « أنزل الله تعالى آيتين من كنوز الجنة. كتبها الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة، من قرأهما بعد العشاء الأخيرة أجزأتاه عن قيام الليل » .
وعنه عليه الصلاة والسلام « في ليلة كفتاه الآيتين من آخر سورة البقرة » . وهو يرد قول من استكره أن يقال سورة البقرة، وقال: ينبغي أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة، كما قال عليه الصلاة والسلام « من قرأ » . السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها، فإن تعلمها بركة وتركها حسرة، ولن يستطيعها البطلة قيل: يا رسول الله وما البطلة؟ قال: السحرة
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع المجلد الأول من تفسير البيضاوي في مطابع دار إحياء التراث العربي - بيروت الزاهرة أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين