قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون
إنما يأتيكم به الله : أي: ليس الإتيان بالعذاب إلي; إنما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه، إن شاء : يعني: إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم، وقرأ -رضي الله عنه-: "فأكثرت جدلنا" . ابن عباس
فإن قلت: ما وجه ترادف هذين الشرطين ؟ [ ص: 196 ] قلت: قوله: إن كان الله يريد أن يغويكم : جزاؤه ما دل عليه قوله: ولا ينفعكم نصحي ، وهذا الدال في حكم ما دل عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك: إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني .
فإن قلت: فما معنى قوله: إن كان الله يريد أن يغويكم ؟
قلت: إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمي ذلك إغواء وإضلالا، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به: سمي إرشادا وهداية، وقيل: أن يغويكم : أن يهلككم من غوى الفصيل غوى، إذا بشم فهلك، ومعناه: أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله، ومواعظه، وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي ؟. فعلي إجرامي : وإجرامي بلفظ المصدر والجمع; كقوله: والله يعلم إسرارهم وأسرارهم، ونحو: جرم وأجرام، قفل وأقفال; وينصر الجمع أن فسره الأولون بآثامي، والمعنى: إن صح وثبت أني افتريته، فعلي عقوبة إجرامي، أي: افترائي، وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني وتتألبوا علي، وأنا بريء : يعني: ولم يثبت ذلك وأنا بريء منه، ومعنى: مما تجرمون : من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم .