. "كيف": استفهام في معنى الاستنكار والاستبعاد; لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم أضداد وغرة صدورهم، يعني: محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك، ولا تحدثوا به نفوسكم، ولا تفكروا في قتلهم، ثم استدرك ذلك بقوله: إلا الذين عاهدتم أي: ولكن الذين عاهدتم منهم، عند المسجد الحرام : ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة ، فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم، فما استقاموا لكم : على العهد، فاستقيموا لهم : على مثله، إن الله يحب المتقين : يعني: أن التربص بهم من أعمال المتقين، "كيف": تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل; لكونه معلوما; كما قال [من الطويل]:
[ ص: 16 ]
وخبرتماني أنما الموت بالقرى
فكيف وهاتا هضبة وقليب
يريد: فكيف مات، أي: كيف يكون لهم عهد، "و": حالهم أنهم، إنهم إن يظهروا عليكم : بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم، لا يرقبوا فيكم إلا : لا يراعوا حلفا، وقيل: قرابة; وأنشد -رضي الله عنه- [من الوافر]: لحسان
لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام
وقيل: "إلا": إلها، وقرئ: "إيلا"، بمعناه، وقيل: جبرئيل، وجبرئل، من ذلك. وقيل: منه اشتق الآل بمعنى القرابة، كما اشتقت الرحم من الرحمن، والوجه أن اشتقاق الإل بمعنى: الحلف; لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا، رفعوا به أصواتهم وشهروه، من الأل وهو الجؤار، وله أليل: أي: أنين يرفع به صوته [من البسيط]:
............................. ... ودعت ألليها .............
إذا ولولت، ثم قيل لكل عهد وميثاق: إل، وسميت به القرابة، لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق، "يرضونكم": كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن، مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد، وإباء القلوب مخالفة ما فيها من [ ص: 17 ] الأضغان، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل، وأكثرهم فاسقون : متمردون خلعاء لا مروءة تزعهم، ولا شمائل مرضية تردعهم، كما يوجد ذلك في بعض الكفرة، من التفادي عن الكذب والنكث، والتعفف عما يثلم العرض ويجر أحدوثة السوء .