ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
ومن قوم موسى أمة هم : المؤمنون التائبون من بني إسرائيل ; لما ذكر الذين تزلزلوا منهم في الدين ، وارتابوا ، حتى أقدموا على العظيمتين : عبادة العجل ، واستجازة رؤية الله [ ص: 520 ] تعالى ، ذكر أن منهم أمة موقنين ، ثابتين ، يهدون الناس بكلمة الحق ، ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم ، وبالحق يعدلون بينهم في الحكم لا يجورون ، أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن به من أعقابهم .
وقيل : إن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا ، وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا ، وسألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين ، وهم هنالك حنفاء مسلمون ، يستقبلون قبلتنا ، وذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن جبريل ذهب به ليلة الإسراء نحوهم ، فكلمهم ، فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا : لا ، قال : هذا محمد النبي الأمي ، فآمنوا به وقالوا : يا رسول الله ، إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد ، فليقرأ عليه مني السلام ، فرد محمد على موسى - عليهما السلام - ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ، وكانوا يسبتون ، فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت ، وعن قرئ : بين يدي مسروق ، عبد الله ، فقال رجل : إني منهم ، فقال : عبد الله - يعني : لمن كان في مجلسه من المؤمنين - : وهل يزيد صلحاؤكم عليهم شيئا من يهدي بالحق وبه يعدل .
وقيل : لو كانوا في طرف من الدنيا متمسكين بشريعة ولم يبلغهم نسخها ، كانوا معذورين ، وهذا من باب الفرض والتقدير ، وإلا فقد طار الخبر بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى كل أفق ، وتغلغل في كل نفق ، ولم يبق الله أهل مدر ، ولا وبر ، ولا سهل ، ولا جبل ، ولا بر ، ولا بحر في مشارق الأرض ومغاربها ، وإلا وقد ألقاه إليهم ، وملأ به مسامعهم ، وألزمهم به الحجة ، وهو سائلهم عنه يوم القيامة .