[ ص: 176 ] قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله بين أنهم حرموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم . والزينة هنا الملبس الحسن ، إذا قدر عليه صاحبه . وقيل : جميع الثياب ; كما روي عن
عمر : إذا وسع الله عليكم فأوسعوا . وقد تقدم . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب شيخ
مالك رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خز بخمسين دينارا ، يلبسه في الشتاء ، فإذا كان في الصيف تصدق به ، أو باعه فتصدق بثمنه ، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع
مصر ممشقين ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .
الثانية : وإذا كان هذا فقد دلت الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=17464لباس الرفيع من الثياب ، والتجمل بها في الجمع والأعياد ، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان . قال
أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا . وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=836049عمر بن الخطاب أنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد ، فقال : يا رسول الله ، لو اشتريتها ليوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة . فما أنكر عليه ذكر التجمل ، وإنما أنكر عليه كونها سيراء . وقد اشترى
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري حلة بألف درهم كان يصلي فيها . وكان
مالك بن دينار يلبس الثياب العدنية الجياد . وكان ثوب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يشترى بنحو الدينار . أين هذا ممن يرغب عنه ويؤثر لباس الخشن من الكتان والصوف من الثياب . ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ولباس التقوى ذلك خير هيهات ! أترى من ذكرنا تركوا لباس التقوى ، لا والله ! بل هم أهل التقوى وأولو المعرفة والنهى ، وغيرهم أهل دعوى ، وقلوبهم خالية من التقوى . قال
خالد بن شوذب : شهدت
الحسن وأتاه
فرقد ، فأخذه
الحسن بكسائه فمده إليه وقال : يا
فريقد ، يا بن
أم فريقد ، إن البر ليس في هذا الكساء ، إنما البر ما وقر في الصدر وصدقه العمل . ودخل
أبو محمد ابن أخي معروف الكرخي على
أبي الحسن بن يسار وعليه جبة صوف ، فقال له
أبو الحسن : يا
أبا [ ص: 177 ] محمد ، صوفت قلبك أو جسمك ؟ صوف قلبك والبس القوهي على القوهي . وقال رجل
للشبلي : قد ورد جماعة من أصحابك وهم في الجامع ، فمضى فرأى عليهم المرقعات والفوط ، فأنشأ يقول :
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائه
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : وأنا أكره
nindex.php?page=treesubj&link=17694_32490لبس الفوط والمرقعات لأربعة أوجه : أحدها : أنه ليس من لبس السلف ، وإنما كانوا يرقعون ضرورة . والثاني : أنه يتضمن ادعاء الفقر ، وقد أمر الإنسان أن يظهر أثر نعم الله عليه . والثالث : إظهار التزهد ; وقد أمرنا بستره . والرابع : أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة . ومن تشبه بقوم فهو منهم وقال
الطبري : ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله . ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر . ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض شهوة النساء . وسئل
بشر بن الحارث عن لبس الصوف ، فشق عليه وتبينت الكراهة في وجهه ثم قال : لبس الخز والمعصفر أحب إلي من لبس الصوف في الأمصار . وقال
أبو الفرج : وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة ، لا المترفعة ولا الدون ، ويتخيرون أجودها للجمعة والعيد وللقاء الإخوان ، ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحا . وأما اللباس الذي يزري بصاحبه فإنه يتضمن إظهار الزهد وإظهار الفقر ، وكأنه لسان شكوى من الله تعالى ، ويوجب احتقار اللابس ; وكل ذلك مكروه منهي عنه . فإن قال قائل : تجويد اللباس هوى النفس وقد أمرنا بمجاهدتها ، وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق . فالجواب ليس كل ما تهواه النفس يذم ، وليس كل ما يتزين به للناس يكره ، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو على وجه الرياء في باب الدين . فإن الإنسان يحب أن يرى جميلا . وذلك حظ للنفس لا يلام فيه . ولهذا يسرح شعره وينظر في المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج . وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم . وقد روى
مكحول عن عائشة قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب ، فخرج يريدهم ، وفي الدار ركوة فيها ماء ; فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره . فقلت : يا رسول الله ، وأنت تفعل هذا ؟ قال : نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب [ ص: 178 ] الجمال . وفي صحيح
مسلم عن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836051لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر . فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، تدل كلها على
nindex.php?page=treesubj&link=18426النظافة وحسن الهيئة . وقد روى
محمد بن سعد أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12180الفضل بن دكين قال حدثنا
مندل عن
ثور عن
خالد بن معدان قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن والسواك والكحل . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : مشط عاج يمتشط به . قال
ابن سعد : وأخبرنا
قبيصة بن عقبة قال حدثنا
سفيان عن
ربيع بن صبيح عن
يزيد الرقاشي عن
أنس بن مالك قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء . أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور عن
عكرمة عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836054كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين .
الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28978قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32والطيبات من الرزق الطيبات اسم عام لما طاب كسبا وطعما . قال
ابن عباس وقتادة : يعني بالطيبات من الرزق ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي . وقيل : هي كل مستلذ من الطعام . وقد اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=27209ترك الطيبات والإعراض عن اللذات ; فقال قوم : ليس ذلك من القربات ، والفعل والترك يستوي في المباحات . وقال آخرون : ليس قربة في ذاته ، وإنما هو سبيل إلى الزهد في الدنيا ، وقصر الأمل فيها ، وترك التكلف لأجلها ; وذلك مندوب إليه ، والمندوب قربة . وقال آخرون : ونقل عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : لو شئنا لاتخذنا صلاء وصلائق وصنابا ، ولكني سمعت الله تعالى يذم أقواما فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا . ويروى " صرائق " بالراء ، وهما جميعا الجرادق . والصلائق " باللام " : ما يصلق من اللحوم والبقول . والصلاء " بكسر
[ ص: 179 ] الصاد والمد " : الشواء : والصناب : الخردل بالزبيب . وفرق آخرون بين حضور ذلك كله بكلفة وبغير كلفة . قال
أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا : وهو الصحيح إن شاء الله عز وجل ; فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امتنع من طعام لأجل طيبه قط ، بل كان يأكل الحلوى والعسل والبطيخ والرطب ، وإنما يكره التكلف لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة . والله تعالى أعلم . قلت : وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات ; واحتج بقول
عمر رضي الله عنه : إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر . والجواب أن هذا من
عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا ، والمداومة على الشهوات ، وشفاء النفس من اللذات ، ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا ، ولذلك كان يكتب
عمر إلى عماله : إياكم والتنعم وزي أهل العجم ، واخشوشنوا . ولم يرد رضي الله عنه تحريم شيء أحله الله ، ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه . وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق . وقال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836055سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=836056أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطبيخ بالرطب ويقول : يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا . والطبيخ لغة في البطيخ ، وهو من المقلوب . وقد مضى في " المائدة " الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام . وهذه الآية ترد عليه وغيرها ، والحمد لله .
الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28978قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يعني بحقها من توحيد الله تعالى والتصديق له ; فإن الله ينعم ويرزق ، فإن وحده المنعم عليه وصدقه فقد قام بحق النعمة ، وإن كفر فقد أمكن الشيطان من نفسه . وفي صحيح الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=836057لا أحد أصبر على أذى من الله [ ص: 180 ] يعافيهم ويرزقهم وهم يدعون له الصاحبة والولد . وتم الكلام على الحياة الدنيا . ثم قال ( خالصة ) بالرفع وهي قراءة
ابن عباس ونافع . " ( خالصة يوم القيامة ) أي يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء كما كان لهم في الدنيا من الاشتراك فيها . ومجاز الآية : قل هي للذين آمنوا مشتركة في الدنيا مع غيرهم ، وهي للمؤمنين خالصة يوم القيامة . ف ( خالصة ) مستأنف على خبر مبتدأ مضمر . وهذا قول
ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج وابن زيد . وقيل : المعنى أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة ، للمؤمنين في الدنيا ; وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32في الحياة الدنيا متعلق ب آمنوا وإلى هذا يشير تفسير
سعيد بن جبير . وقرأ الباقون بالنصب على الحال والقطع ; لأن الكلام قد تم دونه . ولا يجوز الوقف على هذه القراءة على الدنيا لأن ما بعده متعلق بقوله للذين آمنوا حالا منه ; بتقدير : قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة ; قاله
أبو علي . وخبر الابتداء للذين آمنوا والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل في قوله للذين واختار
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه النصب لتقدم الظرف .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32كذلك نفصل الآيات أي كالذي فصلت لكم الحلال والحرام أفصل لكم ما تحتاجون إليه .