أن إذا سمعتم : هي أن المخففة من الثقيلة ، والمعنى أنه إذا سمعتم ، أي : نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها ، و “ أن" مع ما في حيزها في موضع الرفع بـ “ نزل" ، أو في موضع النصب بـ “ نزل" ، فيمن قرأ به ، والمنزل عليهم في الكتاب : هو ما نزل عليهم ب مكة من قوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [الأنعام : 68] وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزئون به ، فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه ، وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين ، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة ، وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون ، فقيل لهم : إنكم إذا مثل الأحبار في الكفر إن الله جامع المنافقين والكافرين يعني القاعدون والمقعود معهم . فإن قلت : الضمير في قوله : فلا تقعدوا معهم إلى من يرجع؟ قلت : إلى من دل عليه يكفر بها ويستهزأ بها كأنه قيل : فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها . فإن قلت : لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟ قلت : لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين ، والراضي بالكفر كافر . فإن قلت : فهلا كان المسلمون بمكة - حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين منافقين؟ قلت : لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم ، فكان ترك الإنكار لرضاهم الذين يتربصون إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم يتربصون بكم أي : ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق ألم نكن معكم : مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة ألم نستحوذ عليكم : ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم ونمنعكم من المؤمنين بأن ثبطناهم عنكم ، وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبكم ومرضوا في قتالكم ، وتوانينا في مظاهرتهم عليكم ، فهاتوا نصيبا لنا بما أصبتم ، وقرئ "ونمنعكم" بالنصب بإضمار أن ، قال الحطيئة [من الوافر] :
ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء؟
[ ص: 166 ] فإن قلت : لم سمى ظفر المسلمين فتحا ، وظفر الكافرين نصيبا؟ قلت : تعظيما لشأن المسلمين ، وتخسيسا لحظ الكافرين; لأن ظفر المسلمين أمر عظيم ، تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه ، وأما ظفر الكافرين ، فما هو إلا حظ دني ولمظة من الدنيا يصيبونها .