[ ص: 486 ] وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
سمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة، والمعنى: إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه، فقابلوه بمثله، ولا تزيدوا عليه، وقرئ : "وإن عقبتم فعقبوا" أي: وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم، روي أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد: بقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم، ما تركوا أحدا غير ممثول به إلا حنظلة بن الراهب، فوقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وقد مثل به، وروي: فرآه مبقور البطن فقال: "أما والذي أحلف به، لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك" فنزلت، فكفر عن يمينه وكف [ ص: 487 ] عما أراده، حمزة ولا خلاف في وقد وردت الأخبار بالنهي عنها حتى [ ص: 488 ] بالكلب العقور، إما أن يرجع الضمير في ( فضله ولعلكم ) إلى صبرهم وهو مصدر [ ص: 489 ] صبرتم، ويراد بالصابرين: المخاطبون، أي: ولئن صبرتم لصبركم خير لكم، فوضع [ ص: 490 ] الصابرون موضع الضمير; ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد، أو وصفهم بالصفة التي تحصل لهم إذا صبروا عن المعاقبة، وإما أن يرجع إلى جنس الصبر -وقد دل عليه صبرتم- ويراد بالصابرين جنسهم، كأنه قيل: وللصبر خير للصابرين; ونحوه قوله تعالى: تحريم المثلة، فمن عفا وأصلح فأجره على الله [الشورى: 40]، وأن تعفوا أقرب للتقوى [البقرة: 237]، ثم قال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: واصبر : أنت فعزم عليه بالصبر، وما صبرك إلا بالله أي: بتوفيقه وتثبيته وربطه على قلبك، ولا تحزن عليهم : أي: على الكافرين، كقوله: فلا تأس على القوم الكافرين [المائدة: 68]، أو على المؤمنين وما فعل بهم الكافرون، ولا تك في ضيق ، وقرئ : "ولا تكن في ضيق" أي: ولا يضيقن صدرك من مكرهم، والضيق: تخفيف الضيق، أي: في أمر ضيق، ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدرين، كالقيل والقول، إن الله مع الذين اتقوا : أي: هو ولي الذين اجتنبوا المعاصي، "و" ولي ( الذين هم محسنون ) في أعمالهم، وعن أنه قيل له حين احتضر: أوص، فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي، وأوصيكم بخواتم سورة النحل. هرم بن حيان
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بما أنعم عليه في دار الدنيا وإن مات في يوم تلاها أو ليلته، كان له من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية" .