والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب
والذين آتيناهم الكتاب : يريد من أسلم من اليهود، كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلا: أربعون بنجران، واثنان وثلاثون بأرض الحبشة، وثمانية من أهل اليمن، هؤلاء: يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب ، يعني: ومن أحزابهم، وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعداوة، نحو: كعب بن الأشرف وأصحابه، والسيد والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما، من ينكر بعضه ; لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص، وبعض الأحكام والمعاني هو ثابت في كتبهم غير محرف، وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام ونعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع.
[ ص: 356 ] فإن قلت: كيف اتصل قوله: قل إنما أمرت أن أعبد الله بما قبله ؟
قلت: هو جواب للمنكرين معناه: قل إنما أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله ولا أشرك به، فإنكاركم له إنكار لعبادة الله وتوحيده، فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة الله وألا يشرك به، قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا [آل عمران : 64]، وقرأ في رواية نافع أبي خليد : "ولا أشرك" بالرفع على الاستئناف كأنه قال: وأنا لا أشرك به، ويجوز أن يكون في موضع الحال على معنى: أمرت أن أعبد الله غير مشرك به، إليه أدعو : خصوصا لا أدعو إلى غيره، "وإليه": لا إلى غيره مرجعي، وأنتم تقولون مثل ذلك، فلا معنى لإنكاركم.