وقوله عز وجل: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر واختلف أهل التأويل في لآدم، على قولين: أحدهما: أنه أمرهم بالسجود له تكرمة وتعظيما لشأنه. [ ص: 102 ] أمره الملائكة بالسجود
والثاني: أنه جعله قبلة لهم، فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم، وفيه ضرب من التعظيم. وأصل السجود الخضوع والتطامن، قال الشاعر:
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
وسمى سجود الصلاة سجودا، لما فيه من الخضوع والتطامن، فسجد الملائكة لآدم طاعة لأمر الله تعالى إلا إبليس أبى أن يسجد له حسدا واستكبارا. واختلفوا في على قولين: أحدهما: أنه كان من الملائكة، وهذا قول إبليس، هل كان من الملائكة أم لا؟ ، ابن عباس ، وابن مسعود وابن المسيب، ، لأنه استثناء منهم، فدل على دخوله منهم. والثاني: أنه ليس من الملائكة، وإنما هو أبو الجن، كما أن وابن جريج آدم أبو الإنس، وهذا قول الحسن وقتادة ، ولا يمتنع جواز الاستثناء من غير جنسه، كما قال تعالى: وابن زيد ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [النساء: 157] وهذا استثناء منقطع. واختلف في على قولين: أحدهما: أنه اسم أعجمي وليس بمشتق. والثاني: أنه اسم اشتقاق، اشتق من الإبلاس وهو اليأس من الخير، ومنه قوله تعالى: تسميته بإبليس فإذا هم مبلسون [الأنعام: 44] أي آيسون من الخير، وقال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه، وأبلسا
فأما من ذهب إلى أن إبليس كان من الملائكة، فاختلفوا في قوله تعالى: [ ص: 103 ]
إلا إبليس كان من الجن [50 الكهف] لم سماه الله تعالى بهذا الاسم، على أربعة أقاويل: أحدها: أنهم حي من الملائكة يسمون جنا كانوا من أشد الملائكة اجتهادا، وهذا قول . والثاني: أنه جعل من الجن، لأنه من خزان الجنة، فاشتق اسمه منها، وهذا قول ابن عباس . والثالث: أنه سمي بذلك لأنه جن عن طاعة ربه، وهذا قول ابن مسعود والرابع: أن الجن لكل ما اجتن فلم يظهر، حتى إنهم سموا الملائكة جنا لاستتارهم، وهذا قول ابن زيد. وأنشد قول أبي إسحاق، أعشى بني ثعلبة:
لو كان حي خالدا أو معمرا لكان سليمان البري من الدهر
براه إلهي واصطفاه عباده وملكه ما بين نوبا إلى مصر
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر
فسمى الملائكة جنا لاستتارهم. وفي قوله تعالى: وكان من الكافرين ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه قد كان قبله قوم كفار، كان إبليس منهم. والثاني: أن معناه: وصار من الكافرين. والثالث: وهو قول : أنه كان من الكافرين، وليس قبله كافرا، كما كان من الجن، وليس قبله جن، وكما تقول: كان الحسن آدم من الإنس، وليس قبله إنسي.