سورة النصر
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح أما النصر فهو المعونة مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها ومنع من قحطها ، قال الشاعر
إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر
وفي المعني بهذا النصر قولان :
أحدهما : نصر الرسول على قريش ، قاله . الطبري
الثاني : نصره على كل من قاتله من أعدائه ، فإن عاقبة النصر كانت له . وقيل : إذا جاء نصره بإظهاره إياك على أعدائك ، والفتح : فتحه مكة وقيل المراد حين نصر الله المؤمنين وفتح مكة وسائر البلاد عليهم . وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزا للإشعار بأن المقدرات متوجهة حين إلى أوقاتها المعينة لها ، فتعرف منها شيئا فشيئا ، وقد قرب النصر من قوته فكن مترقبا لوروده مستعدا لشكره .
[ ص: 360 ]
وفي هذا الفتح قولان :
أحدهما : فتح مكة ، قاله الحسن . ومجاهد
الثاني : فتح المدائن والقصور ، قاله ابن عباس ، وقيل ما فتحه عليه من العلوم . وابن جبير ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل اليمن ، وروي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس (الدين يمان والفقه يمان والحكمة يمانية) وروي عنه عليه السلام أنه قال : اليمن) وفيه تأويلان : (إني لأجد نفس ربكم من قبل
أحدهما : أنه الفرج لتتابع إسلامهم أفواجا .
الثاني : معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه بأهل اليمن ، وهم الأنصار . القول الثاني : أنهم سائر الأمم الذين دخلوا في الإسلام ، قاله . وقال محمد بن كعب : لما فتح الله على رسوله الحسن مكة ، قالت العرب بعضهم لبعض : أيها القوم ليس لكم به ولا بالقوم يد ، فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجا أمة أمة . قال : والأمة أربعون رجلا ، وقال الضحاك : الأفواج (الزمر) ، وقال ابن عباس : الأفواج القبائل . وروى الكلبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : جابر بن عبد الله . (إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون أفواجا)
[ ص: 361 ]
أفواجا جماعات كثيفة كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن وقبائل سائر العرب . يدخلون حال ، على أن (رأيت) بمعنى أبصرت ، أو مفعول ثان على أن رأيت بمعنى علمت . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا في وجهان : أمره بهذا التسبيح والاستغفار
أحدهما : أنه أراد بالتسبيح الصلاة ، قاله ، وبالاستغفار مداومة الذكر . ابن عباس
الثاني : أنه أراد صريح التسبيح ، الذي هو التنزيه والاستغفار من الذنوب . روت قالت : عائشة وفي قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها؟ فقال : (جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها) إنه كان توابا وجهان :
أحدهما : قابل التوبة . والثاني : متجاوز عن الصغائر . وفي أمره بهذا بعد النصر والفتح وجهان :
أحدهما : ليكون ذلك منه شكرا لله تعالى على نعمه ، لأن تجديد النعم يوجب تجديد الشكر .
الثاني : أنه نعى إليه نفسه ، ليجد في عمله . قال : وداع من الله ، ووداع من الدنيا ، فلم يعش بعدها إلا سنتين مستديما التسبيح والاستغفار كما أمر ، وكان قد لبث أربعين سنة لم يوح إليه ، ورأى رؤيا النبوة سنتين ، ومات في شهر ربيع الأول وفيه هاجر . وقال ابن عباس : نزلت هذه السورة بعد فتح مقاتل الطائف ، والفتح فتح مكة ، [ ص: 362 ]
والناس أهل اليمن ، وهي آية موت النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت قرأها على أبي بكر ففرحا بالنصر وبدخول الناس أفواجا في دين الله عز وجل ، وسمعها وعمر فبكى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : العباس (ما يبكيك يا عم؟ فقال : نعيت إليك نفسك) ، قال : (إنه لكما تقول) . ، عاش النبي بعدها حولا على قول وهذه السورة تسمى التوديع ، وحولين على قول مقاتل ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قابل ، فنزل ابن عباس اليوم أكملت لكم دينكم الآية ، فعاش بعدها ثمانين يوما ، ثم نزلت لقد جاءكم رسول فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما ، ثم نزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله فعاش بعدها واحدا وعشرين يوما . وقال : عاش بعدها سبعة أيام ، والله أعلم وصلوات الله عليه متتابعة لا تنقطع على مر الأزمان وكر الأوان ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين . مقاتل