[ ص: 330 ]
سورة التكاثر
بسم الله الرحمن الرحيم
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
قوله تعالى : ألهاكم التكاثر في ألهاكم وجهان :
أحدهما : شغلكم .
الثاني : أنساكم ، ومعناه ألهاكم عن طاعة ربكم وشغلكم عن عبادة خالقكم . وفي التكاثر ثلاثة أقاويل : أحدها : التكاثر بالمال والأولاد ، قاله . الحسن
الثاني : التفاخر بالعشائر والقبائل ، قاله . قتادة
الثالث : التشاغل بالمعاش والتجارة ، قاله . الضحاك حتى زرتم المقابر فيه وجهان :
أحدهما : حتى أتاكم الموت فصرتم في المقابر زوارا ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله من جنة أو نار .
[ ص: 331 ]
الثاني : ما حكاه الكلبي : أن حيين من وقتادة قريش ، بني عبد مناف وبني سهم ، كان بينهما ملاحاة فتعادوا بالسادة والأشراف أيهم أكثر ، فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا وعزا وعزيزا وأعظم نفرا ، وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكثرهم بنو عبد مناف ، فقال بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعدوا الأحياء والأموات ، فعدوهم فكثرتهم بنو سهم ، فأنزل الله تعالى ألهاكم التكاثر يعني بالعدد حتى زرتم المقابر أي حتى ذكرتم الأموات في المقابر . كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون هذا وعيد وتهديد ، ويحتمل أن يكون تكراره على وجه التأكيد والتغليظ . ويحتمل أن يعدل به عن التأكيد فيكون فيه وجهان :
أحدهما : كلا سوف تعلمون عند المعاينة أن ما دعوتكم إليه حق ، ثم كلا سوف تعلمون عند البعث أن ما وعدتكم صدق .
الثاني : كلا سوف تعلمون عند النشور أنكم مبعوثون ، ثم كلا سوف تعلمون في القيامة أنكم معذبون . كلا لو تعلمون علم اليقين معناه لو تعلمون في الحياة قبل الموت من البعث والجزاء ما تعلمونه بعد الموت منه . علم اليقين فيه وجهان :
أحدهما : علم الموت الذي هو يقيني لا يعتريه شك ، قاله . قتادة
الثاني : ما تعلمونه يقينا بعد الموت من البعث والجزاء ، قاله . وفي ابن جريج كلا في هذه المواضع الثلاثة وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى (إلا) ، قاله . أبو حاتم
الثاني : أنها بمعنى حقا ، قاله . الفراء لترون الجحيم فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا خطاب للكفار الذين وجبت لهم النار .
الثاني : أنه عام ، فالكافر هي له دار والمؤمن يمر على صراطها .
[ ص: 332 ]
روى عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد بن أسلم (يرفع الصراط وسط جهنم ، فناج مسلم ، ومكدوس في نار جهنم) . ثم لترونها عين اليقين فيه وجهان :
أحدهما : أن عين اليقين المشاهدة والعيان .
الثاني : أنه بمعنى الحق اليقين ، قاله . ويحتمل تكرار رؤيتها وجهين : السدي
أحدهما : أن الأول عند ورودها . والثاني : عند دخولها . ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فيه سبعة أقاويل : أحدها : الأمن والصحة ، قاله ; وقال ابن مسعود : الصحة والفراغ ، للحديث . سعيد بن جبير
الثاني : الإدراك بحواس السمع والبصر ، قاله . ابن عباس
الثالث : ملاذ المأكول والمشروب ، قاله . جابر بن عبد الله الأنصاري
الرابع : أنه الغداء والعشاء ، قاله . الحسن
الخامس : هو ما أنعم الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . محمد بن كعب
السادس : عن تخفيف الشرائع وتيسير القرآن ، قاله أيضا الحسن . والمفضل
السابع : ما رواه عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد بن أسلم (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم عن شبع البطون وبارد الماء وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم) ، وهذا السؤال يعم المؤمن والكافر ، إلا أن سؤال المؤمن تبشير بأن جمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة ، وسؤال الكافر تقريع لأنه قابل نعيم الدنيا بالكفر والمعصية ، ويحتمل أن يكون ذلك تذكيرا بما أوتوه ، ليكون جزاء على ما قدموه .