وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين
قوله عز وجل: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فيه قولان:
أحدهما: أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب ولم يكونوا بعد عيسى صرفوا عنه إلا عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ما هذا الذي حدث في الأرض؟ فضربوا في الأرض حتى وقفوا على النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة عائدا إلى عكاظ وهو يصلي الفجر ، فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلي ويقتدي به أصحابه، فرجعوا إلى قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، قاله . ابن عباس
وحكى أن السورة التي كان يقرأها عكرمة ببطن نخلة اقرأ باسم ربك [العلق: 1] وحكى كان يقرأ في العشاء ابن عباس كادوا يكونون عليه لبدا [ ص: 286 ] الثاني: أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله لهم حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة. وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم جن من أهل نصيبين ، قاله . ابن عباس
الثاني: أنهم من أهل نينوى ، قاله . قتادة
الثالث: أنهم من جزيرة الموصل ، قاله . عكرمة
الرابع: من أهل نجران ، قاله . واختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل: مجاهد
أحدها: أنهم كانوا اثني عشر ألفا من جزيرة الموصل ، قاله . عكرمة
الثاني: أنهم كانوا تسعة أحدهم زوبعة ، قاله زر بن حبيش.
الثالث: أنهم كانوا سبعة: ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين ، وكانت أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وناصر والأردن وأنيان الأحقم ، قاله . مجاهد
واختلف في علم النبي صلى الله عليه وسلم على قولين:
أحدهما: أنه ما شعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه فيهم وأخبره عنهم ، قاله ، ابن عباس . والحسن
الثاني: أن الله قد كان أعلمه بهم قبل مجيئهم. روى عن شعبة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: قتادة فأيكم يتبعني فأطرقوا فاتبعه أمرت أن أقرأ على الجن فدخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له ابن مسعود شعب الحجون وخط عليه وخط على ليثبته بذلك ، قال ابن مسعود : وقال عكرمة (لا تبرح حتى آتيك فلما خشيهم لابن مسعود: كاد أن يذهب فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبرح ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو ذهبت ما التقينا إلى يوم القيامة ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم تلا عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم. ابن مسعود [ ص: 287 ] وروى (إني عن قتادة أنهم سألوه الزاد فقال: ابن مسعود (كل عظم لكم عرق ، وكل روثة لكم خضرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأحدهما.
روى عبد الله بن عمرو بن غيلان عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن مسعود (إن وفد الجن سألوني المتاع ، - والمتاع: الزاد - فمتعتهم بكل عظم حائل وبعرة أو روثة فقلت: يا رسول الله وما يغني عن ذلك عنهم؟ فقال: (إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ، ولا روثة ولا بعرة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت ، فلا يستنجين أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة . فلما حضروه قالوا أنصتوا يحتمل وجهين:
أحدهما: فلما حضروا قراءة القرآن قال بعضهم لبعض أنصتوا لسماع القرآن.
الثاني: لما حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أنصتوا لسماع قوله. فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين فيه وجهان:
أحدهما: فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مخوفين: قاله الكلبي . الضحاك
الثاني: فلما فرغ من قرءاة القرآن ولوا إلى قومهم منذرين ، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
قوله عز وجل: يا قومنا أجيبوا داعي الله أي نبي الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. ومن لا يجب داعي الله أي نبي الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. فليس بمعجز في الأرض أي سابق لله فيفوته هربا.