يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون
قوله تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حتى تستأذنوا . واختلف من قال بهذا التأويل فقال : أخطأ الكاتب فيه فكتب تستأنسوا وكان يقرأ : حتى تستأذنوا . وقال غيره : لأن [ ص: 86 ] الاستئذان مؤنس فعبر عنه بالاستئناس ، وليس فيه خطأ من كاتب ولا قارئ . ابن عباس
الثاني : معناه حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح فيعلموا بقدومكم عليهم ، قاله . مجاهد
الثالث : أن تستأنسوا يعني أن تعلموا فيها أحدا استأذنوه فتسلموا عليه ومنه قوله تعالى : فإن آنستم منهم رشدا [النساء : 6] أي علمتم ، قاله . وقال ابن قتيبة الاستئناس الاستثمار، والإيناس اليقين . والإذن يكون بالقول والإشارة . فإن جاهر فسؤال ، فقد روى ابن الأعرابي عن قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة رسول الرجل إذنه فإن استأذن ثلاثا ولم يؤذن له ولى فلم يراجع في الاستئذان روى الحسن البصري استأذن على [أبا موسى] الأشعري رضي الله عنه ثلاثا فلم يؤذن له فرجع فأرسل إليه عمر فقال : ما ردك؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر فقال (من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع) : لتجيئني على بينة أو لأجعلنك نكالا فأتى عمر فشهد له طلحة قال أن : الأولى إذن ، والثانية مؤامرة ، والثالثة : عزمة ، إن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا . ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان مفتوحا، وإن أذن لأول القوم فقد أذن [ ص: 87 ] لآخرهم، ولا يقعدوا على الباب بعد الرد فإن للناس حاجات . الحسن
وتسلموا على أهلها والسلام ندب والاستئذان حتم . وفي قولان : السلام
أحدهما : أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإذن عليه .
الثاني : مسنون قبل الإذن وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم وتقدير الكلام حتى تسلموا وتستأذنوا لما روى محمد بن سيرين أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أأدخل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عنده : (قم فعلم هذا كيف يستأذن فإنه لم يحسن) فسمعها الرجل فسلم واستأذن .
وأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر فإن وقعت العين على العين قبل الإذن فالأولى تقديم السلام ، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن فالأولى تقديم الاستئذان على السلام .
فأما فإن كانوا غير ذي محارم لزم الاستئذان عليهم كالأجانب، وإن كانوا ذوي محارم وكان المنزل مشتركا هو فيه وهم ساكنون لزم في دخوله إنذارهم إما بوطء . أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما . وإن لم يكن المنزل مشتركا ففي الاستئذان عليهم وجهان : الاستئذان على منازل الأهل
أحدهما : أنها النحنحة والحركة .
الثاني : القول كالأجانب . ورى صفوان عن عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : (أستأذن على أمي ؟) فقال : (نعم) فقال: إني أخدمها فقال : (استأذن عليها) فعاوده ثلاثا : فقال : (أتحب أن تراها عريانة) قال : لا قال : (فاستأذن عليها) .
قوله تعالى : فإن لم تجدوا فيها أحدا يعني يأذن لكم .
[ ص: 88 ] فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ولا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : التطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقا ، إلا أن يكون مفتوحا فيجوز إذا كان خارجا أن ينظر لأن صاحبه بالفتح قد أباح النظر). (إنما جعل الاستئذان لأجل البصر
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم وهنا ينظر فإن كان بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث ، وإن كان قبل الدخول فهو رد الإذن ومنع من الدخول . ولا يلزمه الانصراف عن موقفه من الطريق إلا أن يكون فناء الباب المانع فيكفي عنه ، قال : لا تقعد على باب قوم ردوك فإن للناس حاجات . قتادة
قوله تعالى : ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنها الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة ، قاله رضي الله عنه . محمد بن الحنفية
الثاني : أنها حوانيت التجار ، قاله . الشعبي
الثالث : أنها منازل الأسفار ومناخات الرجال التي يرتفق بها مارة الطريق في أسفارهم ، قاله . مجاهد
الرابع : أنها الخرابات العاطلات ، قاله . قتادة
الخامس : أنها بيوت مكة ، ويشبه أن يكون قول . مالك
فيها متاع لكم فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها عروض الأموال التي هي متاع التجار، قاله . مجاهد
الثاني : أنها الخلاء والبول سمي متاعا لأنه إمتاع لهم، قاله . عطاء
الثالث : أنه المنافع كلها ، قاله ، فلا يلزم قتادة [ ص: 89 ] كلها . قال الاستئذان في هذه المنازل : حوانيت التجار إذنهم أنهم جاءوا ببيوتهم فجعلوها فيها وقالوا للناس : هلم . الشعبي