قوله عز وجل : هذان خصمان اختصموا في ربهم والخصمان ها هنا فريقان ، وفيهما أربعة أقاويل :
أحدها : أنهما المسلمون والمشركون حين اقتتلوا في بدر ، وهذا قول ، وقال أبي ذر : نزلت في الثلاثة الذين بارزوا يوم محمد بن سيرين بدر ثلاثة من المشركين فقتلوهم .
والثاني : أنهم أهل الكتاب قالوا : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم . ونحن خير منكم ، فقال المسلمون كتابنا يقضي على كتابكم ، ونبينا خاتم الأنبياء . ونحن أولى بالله منكم ، وهذا قول . قتادة
والثالث : أنهم أهل الإيمان والشرك في اختلافهم في البعث والجزاء ، وهذا قول ، مجاهد ، والحسن . وعطاء
والرابع : هما الجنة والنار اختصمتا ، فقالت النار : خلقني الله لنقمته ، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته ، وهذا قول . عكرمة
[ ص: 14 ] فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار معناه أن النار قد أحاطت بهم كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم ، فصارت من هذا الوجه ثيابا ، لأنها بالإحاطة كالثياب .
يصب من فوق رءوسهم الحميم ها هنا هو الماء الحار ، قال الشاعر:
كأن الحميم على متنها إذا اغترفته بأطساسها جمان يحل على وجنة
علته حدائد دواسها
وضم الحميم إلى النار وإن كانت أشد منه لأنه ينضج لحومهم ، والنار بانفرادها تحرقها ، فيختلف به العذاب فيتنوع ، فيكون أبلغ في النكال .
وقيل إنها نزلت في ثلاثة من المسلمين قتلوا ثلاثة من المشركين يوم بدر: قتل حمزة بن عبد المطلب عتبة بن ربيعة ، قتل وعلي بن أبي طالب ، الوليد بن عتبة قتل وعبيدة بن الحارث شيبة بن ربيعة .
قوله تعالى : يصهر به ما في بطونهم والجلود فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يحرق به وهو قول . يحيى بن سلام
والثاني : يقطع به ، وهو قول . الحسن
والثالث : ينضج به ، وهو قول ومنه قول الكلبي : العجاج
شك السفافيد الشواء المصطهر
والرابع : يذاب به ، وهو قول ، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها ، ومنه قول مجاهد ابن أحمر :
تروي لقى ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر
ولهم مقامع من حديد والمقامع : جمع مقمعة ، والمقمعة ما يضرب به الرأس لا يعي فينكب أو ينحط .
[ ص: 15 ]